التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هل كرَّر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدَّ الجلد على شارب الخمر بجريمة واحدة؟
في هذا المقال نتحدث عن بعض الاجتهادات الجديدة، والعجيبة حقًّا، في مسألة الحدود، وتُتَّخذ كشبهات في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بينما هي من إبداعاته وروائعه:
أولًا: هل كرَّر عمر حدَّ الجلد على الخمر على شارب بجريمة واحدة؟
نعم فقد جلد عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب في الخمر مرتين!، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّه قال: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: شَرِبَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ[1]، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ[2]، وَنَحْنُ بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَسَكِرَا، فَلَمَّا صَحَا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالَا: طَهِّرْنَا، فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: فَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمَا أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ: فَذَكَرَ لِي أَخِي أَنَّهُ قَدْ سَكِرَ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلِ الدَّارَ أُطَهِّرْكَ[3]، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَدَّثَ الْأَمِيرَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا تُحْلَقُ الْيَوْمَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، ادْخُلْ أَحْلِقْكَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مَعَ الْحَدِّ[4]، فَدَخَلَ مَعِيَ الدَّارَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو أَنِ ابْعَثْ إِلِيَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُمَرَ عَلَى قَتَبٍ[5]، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَلَبِثَ أَشْهُرًا صَحِيحًا، ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَيَحْسَبُ عَامَّةُ النَّاسِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جِلْدِهِ[6]، قَالَ الشَّيْخُ البيهقي رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي يُشْبِهُ أَنَّهُ جَلَدَهُ جَلْدَ تَعْزِيرٍ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يُعَادُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، هذا وقد يكون عمرو بن العاص جلده أربعين أو نحو ذلك فأتمَّ عمر الجلد إلى ثمانين.
ثانيًا: القطع ليد السارق ثم رجله إذا كرَّر السرقة:
جاء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ يُقَالُ لَهُ: سَدُومٌ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «لَا تَفْعَلْ إِنَّمَا عَلَيْهِ يَدٌ وَرِجْلٌ، وَلَكِنِ احْبِسْهُ»[7]، وفي رواية عن علي بن أبي طالب أنه اجتهد في ذلك لأن حرمانه من يده الوحيدة أو قدمه الوحيدة يعني العجز عن الحياة تقريبًا فيموت، وهو ليس عليه القتل.
في المرة الأولى في السرقة تُقْطَع يده اليمنى، فإن سرق ثانية تقطع رجله اليسرى، فإن سرق ثالثًا: اختلف الفقهاء، فالحنفية والحنابلة يقولون بالحبس دون قطع جديد، والمالكية والشافعية يقولون بقطع اليد اليسرى، ثم الرجل اليمنى إذا سرق رابعًا.
ثالثًا: الجلد في القذف ولو بالتعريض:
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: وَاللهِ مَا أبِي بِزَانٍ وَلاَ أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ غَيْرُ هَذَا، نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ[8].[9].
[1] صحابي صغير ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[2] صحابي من مسلمة الفتح
[3] على الأغلب يقصد ضربه وتأديبه على أساس أن الأمر لم يصل للحاكم، وهو ليس كالجرائم التي يقام فيها الحدُّ بالقدر المعروف، وهذه لابد فيها من حاكم لفعلها، ولكن شرب الخمر قد يكون في السِّرِّ، ولا ينبغي أن يُفْضَح، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعاقب عليه أحيانًا بالضرب بالأيدي والنعال، وليس بالضرورة بالجلد.
[4] الحلق هذا تعزيرٌ زائد عن الحدِّ بغية منع الناس من الفعل إذا استشرى فيهم، وهناك أمثلة أخرى للتعزير؛ منها التغريب أي النفي، ومنها زيادة الجلد، وبعض الصحابة يعارض حلق الرأس كنوع من التعزير، كابن عباس، وغرَّب عمر ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي عند شربه للخمر، فلجأ إلى قيصر وتنصَّر، فقال لا أغرِّب بعده مسلمًا أبدًا.
[5] القَتَب الإكاف الصغير الذي يوضع على سنام البعير.
[6] البيهقي (17275)
[7] مصنف عبد الرزاق الصنعاني (10/ 186).
[8] مالك بن أنس: موطأ مالك، تصحيح: عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 2/ 830.
[9] لمشاهدة الحلقة على يوتيوب اضغط هنا: ثلاث اجتهادات عمرية عجيبة في تطبيق الحدود.
التعليقات
إرسال تعليقك