التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من الشبهات المشتهرة عن عثمان رضي الله عنه أنه كان ضعيفًا! والحقُّ أنني أراه من أقوى الصحابة، وهذه الرؤية مبنية على مشاهدات واقعية.
من الشبهات المشتهرة عن عثمان رضي الله عنه أنه كان ضعيفًا! والحقُّ أنني أراه من أقوى الصحابة، وهذه الرؤية مبنية على مشاهدات واقعية ودعوني أعتمد على تحليلي لفترة خلافته فقط، مع عدم النظر لفترة حياته الأولى، وإن كانت مليئة هي الأخرى بمشاهد القوة، ولكني أكتفي هنا بالحديث عن الخلافة لدفع الشبهة.
على المستوى الخارجي: كيف كان وضع الدولة الإسلامية؟
أولًا: تسلَّم عثمان بن عفان دولة عملاقة تشمل 16 دولة من دول عالمنا المعاصر (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، عمان، اليمن، العراق، سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين، إيران، أذربيجان، مصر، ليبيا) فحكمها 12 سنة، وزاد عليها تونس، وقبرص، فلم تفقد الأمة شيئًا من أراضيها، بل زادت، فهل يُتَّهم مثل هذا الحاكم بالضعف؟
ثانيًا: توقَّعت بعض الولايات الإسلامية التي كانت تابعة للفرس أو الروم اضطرابًا في الدولة بعد موت عمر، ففكَّرت في الخروج من الدولة، فهل نجحت؟ دعونا نتابع ما حدث في العام الأول (24هـ) فقط من حكمه، ومن المفترض أن يكون هو أضعف الأعوام، لكونه لم يتمكَّن من الأمور بعد ومع ذلك:
1- حقَّق أبو موسى الأشعري رضي الله عنه والي البصرة النَّصرَ على الفرس في منطقة الرَّيِّ التي أعلنت تمرُّدًا سرعان ما خمد.
2- وفي أذربيچان وأرمينيَّة تمكَّن جيشٌ مسلمٌ قويٌّ أرسله عثمان رضي الله عنه بقيادة الوليد بن عقبة بن أبي معيط رضي الله عنه -وهو من الصحابة، وهو أيضًا أخو عثمان بن عفَّان رضي الله عنه لأمِّه؛ أمهما أروى بنت كريز- من تحقيق النصر الحاسم.
3- في الشام حقَّق المسلمون النَّصرَ مرتين على بعض التمردات، الأولى بقيادة سلمان بن ربيعة رضي الله عنه، والثانية بقيادة حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه.
على المستوى الداخلي، وبعيدًا عن أحداث آخر عامين في الخلافة:
كانت الدولة مستقرة إلى حد بعيد، وكان مستوى الأمان يفوق التصور: وقد قال الحسن البصري: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ يَخَافُ مُؤْمِنًا، مَنْ لَقِيَ مِنْ أَيِّ الْأَحْيَاءِ كَانَ، فَهُوَ أَخُوهُ وَمَوَدَّتُهُ وَنُصْرَتُهُ، وَالْفِتْنَةُ أَنْ يَسُلَّ عَلَيْهِ سَيْفًا»[1].
أولًا: قوة عثمان رضي الله عنه في أخذ الحقوق لأصحابها:
ولو كانت لعبد: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَاتَبَ عَبْدٌ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةٍ، فَقَالَ: خُذْهَا جَمِيعًا، وَخَلِّنِي، فَأَبَى سَيِّدُهُ إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّ سَنَةٍ نَجْمًا رَجَاءَ أَنْ يَرِثَهُ، فَأَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَاهُ عُثْمَانُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنَ الْعَبْدِ، فَأَبَى، فَقَالَ لِلْعَبْدِ: «ائْتِنِي بِمَا عَلَيْكَ»، فَأَتَاهُ بِهِ، فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكَتَبَ لَهُ عِتْقًا، وَقَالَ لِلْمَوْلَى: «ائْتِنِي كُلَّ سَنَةٍ فَخُذْ نَجْمًا»، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، أَخَذَ مَالَهُ كُلَّهُ، وَكَتَبَ عِتْقَهُ[2].
ثانيًا: قوة عثمان في تطبيق الحدود للحفاظ على حالة الأمان:
الحدود بشكل عام كانت مطبقة، وأقف على بعضها للدلالة على القوة:
1- عَنِ عبد الله بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ (يسار المكي)، أَنَّ عُثْمَانَ «قَضَى فِي امْرَأَةٍ قُتِلَتْ فِي الْحُرُمِ بِدِيَةٍ وَثُلُثِ دِيَةٍ»[3].
2- عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ أُتْرُجَّةً فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنْ تُقَوَّمَ. فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ: مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ. «فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ»[4].
النصاب: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»[5].
3- عند البيهقي والطحاوي: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِالْكُوفَةِ رِجَالًا يُنْعِشُونَ حَدِيثَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ يَدْعُونَ إِلَيْهِمْ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ: "أَنِ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ قَبِلَهَا وَبَرِئَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ فَلَا تَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ فَاقْتُلْهُ"، فَقَبِلَهَا رِجَالٌ مِنْهُمْ فَتُرِكُوا، وَلَزِمَ دِينَ مُسَيْلِمَةَ رِجَالٌ فَقُتِلُوا[6].
ثالثًا: وليست الحدود فقط، بل التعدِّي على الأعراض كان مرفوضًا:
عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا "يُعَاقِبَانِ عَلَى الْهِجَاءِ"[7].
أي ضعف هذا الذي يتكلم الناس عنه؟ إن كانوا يقصدون تركه للمجرمين يقتلونه في حصاره عند موته، فهذا من أبلغ مواطن قوته، فقد تصرَّف بما يحفظ الدولة لا بما يحفظ حياته، ولم يسمح لغضبه أن يخرجه عن التصرُّف اللائق، وهذه من أبلغ مظاهر الشدَّة والقوة، ولست أنا الذي وصَّف هذا التمالك للنفس بالقوة، بل فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»[8].
[1] الطبراني: المعجم الكبير، 1/87 (131)، وقال الهيثمي: إسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 9/94.
[2] مصنف عبد الرزاق الصنعاني (8/ 404)، وإسناده إلى أبي قلابة صحيح، ولم يدرك عثمان رضي الله عنه.
[3] «مصنف ابن أبي شيبة»، وقال الألباني: صحيح
[4] موطأ مالك، والبيهقي: السنن الكبرى، 8/ 456، وقال عاطف عبد الوهاب حماد: رجاله ثقات وإسناده صحيح.
[5] البخاري (6407)، ومسلم (1684).
[6] البيهقي: السنن الكبرى، 8/ 350، والطحاوي: شرح معاني الآثار، 3/ 211. وقال عاطف عبد الوهاب حماد: الأثر صحيح بما قبله. انظر: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للخليفة الراشد عثمان بن عفان t، ص215.
[7] البيهقي: السنن الكبرى، 8/ 441، «مصنف ابن أبي شيبة»، 15/ 398، وقال الشثري: «صحيح».
[8] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك