التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المعظمين للكعبة وظهر هذا التعظيم من جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل البعثة النبوية يتعبد الله
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ المعظمين ل لكعبة، وظهر التعظيم بشكل أكبر قبيل النبوة، وكأنه تمهيد لرفع قيمة الكعبة في شريعة الإسلام، وقد ظهر هذا التعظيم من جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل البعثة النبوية بشهور أو سنوات يتعبَّد اللهَ:
تقول عائشة رضي الله عنها: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ..»[1].
الرؤيا التي كانت مثل فلق الصبح بدأت قبل البعثة بستة شهور فقط، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجاور (أفضل من يعتكف) في غار حراء شهر رمضان لعدة سنوات قبل البعثة. في رواية عبيد بن عمير في ابن إسحاق قال: «فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ[2] ذَلِكَ الشَّهْرَ مِنْ كُلَّ سَنَةٍ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ»، وكان صلى الله عليه وسلم من هذا المكان في غار حراء يُشاهد الكعبة على الرغم من بعده عنها!
وصف غار حراء:
كان غار حراء يقع في شمال شرق مكة المكرمة في أعلى «جبل النور»، وعلى ارتفاع 634 متراً، وعلى بعد مسافة 4 كم عن المسجد الحرام، وهو عبارة عن فجوة في الجبل بابها نحو الشمال، وعلى هيئة حجرة ضيقة مستطيلة منحوتة داخل قمة الجبل، طولها أربعة أذرع وعرضها ذراع وثلاثة أرباع، أرضها مسطحة، وسقفها مقوس، وفي الغار فتحة على الجهة الجنوبية، ويمكن للجالس فيه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرى الكعبة، ولم يعد ذلك ممكنًا الآن بعد بناية الدور الثاني للمسجد الحرام.
لماذا غار حراء بالتحديد؟ وما علاقة ذلك بالكعبة؟
قال ابن الضياء: أورد ابْن أبي جَمْرَة سؤالاً وَهُو أَنه لم اخْتصَّ صلى الله عليه وسلم بِغَار حراء، فَكَانَ يَخْلُو فِيهِ ويتحنث دون غَيره من الْمَوَاضِع، وَلم يُبدلهُ فِي طول تحنثه؟ وَأجَاب عَن ذَلِك بِأَن هَذَا الْغَار لَهُ فضل زَائِد على غَيره من قِبَل أَن يكون فِيهِ منزويًا مجموعًا لتحنثه وَهُوَ يبصر بَيت ربه، وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت عبَادَة، فَكَانَ لَهُ اجْتِمَاع ثَلَاث عبادات: وَهِي الْخلْوَة، والتحنث، وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت، وَجمع هَذِه الثَّلَاث أولى من الِاقْتِصَار على بَعْضهَا دون بعض، وَغَيره من الْأَمَاكِن لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الْمَعْنى، فَجُمِع لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي المبادي كلُّ حسن بَادِي. انْتهى»[3].
الرسول الله ليس أول من تعبَّد في غار حراء!
أولًا: قال ابن الأثير: عبد المطلب أول من تحنث بحراء، فكان إذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين جميع الشهر[4].
ثانيًا: كانت قريش تفعله: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي، وَهْب بْنُ كَيْسان، مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ. قَالَ: سمعتُ عبدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَقُولُ لعُبَيد بْنِ عُمَيْر بْنِ قَتادة اللَّيْثَيَّ: حَدِّثْنَا يَا عُبَيْدُ، كَيْفَ كَانَ بدْءُ مَا ابتُدئ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ النُّبُوَّةِ، حِينَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قَالَ: فَقَالَ عُبيد -وَأَنَا حَاضِرٌ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ النَّاسِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي حِراء مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تحنَّث بِهِ قريش في الجاهلية[5].
ثالثًا: أبو طالب يمدح الصعود إلى حراء: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: َقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ ... وَرَاقٍ لِبِرٍّ فِي حِرَاءَ وَنَازِلِ
رابعًا: الاعتكاف من بقايا شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام: قال ابن حجر: قُلْتُ وَكَأَنَّهُ مِمَّا بَقِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أُمُورِ الشَّرْعِ عَلَى سُنَنِ الِاعْتِكَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي كَانَ يَخْلُو فِيهِ كَانَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَفْعَلُهُ كَمَا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ.
خامسًا: انفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان جدِّه دون أعمامه: قال ابن حجر: وَيُزَادُ هُنَا أَنَّهُمْ إِنَّمَا لَمْ يُنَازِعُوا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ حِرَاءٍ مَعَ مَزِيدِ الْفَضْلِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ كَانَ يَخْلُو فِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ لِجَلَالَتِهِ وَكِبَرِ سِنِّهِ، فَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَتَأَلَّهُ، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَخْلُو بِمَكَانِ جَدِّهِ وَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ أَعْمَامُهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِمْ[6].
سادسًا: زيد بن عمرو يذهب لحراء: أخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم والبيهقي عَن عَامر بن ربيعَة قَالَ لقِيت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ خَارج من مَكَّة يُرِيد حراء.
[1] البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله (3)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله (160).
[2] الجوار في معنى المجاورة وهي الاعتكاف، ولا فرق بين الجوار والاعتكاف إلا من وجه واحد؛ وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا في داخل المسجد، والجوار قد يكون خارج المسجد. السهيلي: الروض الأنف 2/256.
[3] ابن الضياء: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، لمحقق: علاء إبراهيم، أيمن نصر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1424هـ= 2004م، ص197.
[4] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ= 1997م، 1/ 618.
[5] التحنث: التبرُّر: (تفعُّل من البرِّ، وتَفَعُّل: يقتضي الدخول في الفعل، وهو الأكثر فيها مثل: تَفَقَّه وتعبَّد وتنسَّك)، والتحنث والتحنف: قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ: التَّحَنُّثُ وَالتَّحَنُّفُ، يريدون الحَنِيفية فيبدلون الفاء من الثاء.
[6] ابن حجر: فتح الباري، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت، 1379م، 12/ 355.
التعليقات
إرسال تعليقك