التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ما المقصود بأوليَّات عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
المقصود بأوليَّات عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأشياء التي أول من قام بفعلها أو أول من فكر فيها عمر رضي الله عنه، وهذا يعني أنه رضي الله عنه كان صاحب فكر مبدع، وأوليَّاته كثيرًا جدًا وتكاد لا تحصى، وما نذكره هنا على سبيل المثال فقط وليس الحصر.
أولًا: أول من فكَّر في جمع القرآن: روى البخاري أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ "قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، «فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ»[1].
ثانيًا: أول من أجلى اليهود من أرض الحجاز: روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَجْلَى اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الحجاز، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ، أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ اليَهُودَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ اليَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا العَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا»[2]، فَأُقِرُّوا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ، وَأَرِيحَا.
وعن مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا»[3]، وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ «لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ»[4]، وخصوصية الجزيرة العربية هنا لتبقى موطنًا خالصًا للشريعة فلا يختلط بها منهج آخر.
لماذا اختار عمر هذا التوقيت؟
1- فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عمر غشوا الْمُسلمين وألقوا بن عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَفَدَعُوا يَدَيْهِ: "فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، مَالًا وَإِبِلًا، وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ"[5].
2- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ مَا زَالَ عُمَرُ حَتَّى وَجَدَ الثَّبْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجْتَمِعُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ[6] دِينَانِ فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عَهْدٌ فَلْيَأْتِ بِهِ أَنْفُذُهُ لَهُ وَإِلَّا فَإِنِّي مُجْلِيكُمْ فَأَجَلَاهُمْ[7].
3- عن عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ قَالَ لَمَّا كَثُرَ الْعِيَالُ أَيِ الْخَدَمُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَقَوُوا عَلَى الْعَمَلِ فِي الْأَرْضِ أَجَلَاهُمْ عُمَرُ.
ثالثُا، ورابعًا: أول من دوَّن الدواوين وعَرَفَ العرفاء: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَعَرَفَ الْعُرَفَاءَ[8] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ[9]، والمقصود بالدواوين الوزارات؛ وأهمها في عهد عمر ديوان الإنشاء أي ما يعرف حاليًا بوزارة الخارجية، وديوان الجند ويعرف حاليًا بوزارة الحربية، وديوان العطاء ويعرف بوزارة المالية.
خامسًا: أوّل من مصّر الأمصار: قال ابن سعد: «وهو أوّل من مصّر الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر والموصل، وأنزلها العرب.
سادسًا: أول من أنشأ مدنًا إسلامية: حيث قام رضي الله عنه بإنشاء مدن الكوفة والبصرة والفسطاط.
سابعًا: هو أول من استقضى القضاة في الأمصار.
ثامنًا: وَهُوَ أول من اتخذ بَيت مَال.
تاسعًا: أول من ضرب العملة في الدولة الإسلامية: وذلك عام 18 تقريبًا، مع العلم أنَّه رضي الله عنه أبقى التعامل بالنقود الذهبيَّة والفضِّيَّة القادمة من الدولتين الفارسيَّة والبيزنطيَّة، وذلك بعد طبع كلمة «جائز» عليها لتمييز الصحيح من الزائف[10].
عاشرًا: هُوَ أول من عس بِاللَّيْلِ.
حادي عشر: وَهُوَ أول من مسح سَواد الْعرَاق، وذلك كان على يَد عُثْمَان بن حنيف.
ثاني عشر: وَهُوَ أول من صَالح الْعمَّال على مَال يَأْخُذهُ مِنْهُم: وَكَانَ من ذَلِك أَنه شاطر عَمْرو بن الْعَاصِ مَاله وَهُوَ أَمِير مصر يَوْمئِذٍ.
ثالث عشر: أول خَليفَة سمى بأمير الْمُؤمنِينَ: وهو أول من سُمِّيَ أميرَ المؤمنين عمومًا، وسُمِّيَ قبلَه به خصوصًا عبدُ الله بنُ جحشٍ على سريَّةٍ في اثني عشرَ رجلًا[11].
رابع عشر: وَهُوَ أول من أرخ بعام الْهِجْرَة.
خامس عشر: أول من ألقى الحصى في مسجد، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ أَلْقَى الْحَصَى فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَانَ النَّاسُ إِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ نَفَّضُوا أَيْدِيهِمْ فَأَمَرَ بِالْحَصَى فَجِيءَ بِهِ مِنَ الْعَقِيقِ، فَبُسِطَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[12].
سادس عشر: أول من وسع المسجد الحرام.
سابع عشر: أول من اتخذ للمسجد الحرام الجدار، قاله ابن دحية.
ثامن عشر: أول من ضرب فِي الْخمر ثَمَانِينَ.
تاسع عشر: هُوَ أول من أعال الْفَرَائِض: وهذه مسألة معقَّدة في الميراث، يقال عالَتِ الفَريضةُ: إذا ارْتَفَعت وزادت سِهامُها على أصْل حِسابِها المُوجَب عن عَدَد وَارثيها؛ كَمن ماتَ وخلَّف ابْنَتَين وأَبَوَيْن وزَوْجَة؛ فللابْنَتين الثُّلثان، وللأبَويْن السُّدُسان - وهُما الثُلث - وللزَّوجة الثُّمن، فَمجْموع السِّهام: واحِدٌ، وثمُنُ وَاحِدٍ، فأصلُها ثمانية، والسِّهام تسعة!)
أوليات تُنْسَب لعمر وليس هو الأول فيها:
1- تحريم زواج المتعة: فقد فعله البعض في زمان عمر فنهاهم، فتخيَّل الناس أن عمر هو الذي حرَّم، والتحريم من أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- النهى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وهبتهن وجعلهن مِيرَاثا: روى أبو داود وهو صحيح عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بِعْنَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا»[13]، وكان البيع زمن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل التحريم، ولعله حدث في عهد أبي بكر دون علم منه، فأثبت عمر النهيَ الذي كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- جمع النَّاس على إِمَام وَاحِد فِي التَّرَاوِيح: وذلك في صلاة التراويح خلال شهر رمضان الكريم[14].
[1] البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (4701).
[2] البخاري: كتاب الخمس، باب ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (2983).
[3] مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب (1767).
[4] أحمد (26395)، وقال شعيب الأرناءوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل ابن إسحاق.
[5] البخاري: كتاب الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك (2580).
[6] واختُلِفَ في المقصودِ بجزيرةِ العربِ تحديدًا بعدَ اتِّفاقِهم جميعًا على مكَّةَ والمدينةِ-؛ فقيل: الذي يُمنَعُ المشرِكونَ مِن سُكناهُ مِن أرضِ الجزيرةِ هو الحِجازُ خاصَّةً، وهذا التَّخصيصُ لأنَّ تَيْماءَ التي أُخرِجَ اليهودُ إليها كانتْ مِن جَزيرةِ العربِ، لكنَّها ليسَتْ مِن الحِجازِ، ومنهم مَن أدْخَلَ اليمامةَ، ومنهم مَن أدخَلَ اليمنَ في هذا التَّخصيصِ.
[7] عبد الرزاق الصنعاني، لمحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، الهند، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه، 10/ 360.
[8] الْعِرَافَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَمِنْهُ الْعَرِيفُ وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ يَلِي أُمُورَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ الْأَمِيرُ مِنْهُ أَحْوَالَهُمْ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَالْعِرَافَةُ عَمَلُهُ. انظر: العظيم آبادي: عون المعبود، دار الكتب العلمية– بيروت، الطبعة الثانية، 1415هـ، 8/ 108.
[9] أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1403= 1983م، 1/ 328.
[10] عبد المنعم ماجد: تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى، ص44.
[11] «العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار"(1/ 42).
[12] مصنف ابن أبي شيبة (7/ 263)،
[13] أبو داود: كتاب العتق، باب في عتق أمهات الأولاد (3954)، قال الشيخ الألباني: صحيح.
[14] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أوليَّات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
التعليقات
إرسال تعليقك