ملخص المقال
زبيدة بنت جعفر، هي أميرة عباسية عظيمة القدر، ومن أشهر النساء في التاريخ الإسلامي.
زبيدة بنت جعفر ابن المنصور أَبِي جعفر عَبْد الله بْن محمد بْن عليّ، هي أميرة عباسية عظيمة القدر، ومن أشهر النساء في التاريخ الإسلامي، حفيدة أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، وزوجة هارون الرشيد[1]، وأم الخليفة الأمين بن الرشيد[2]، اسمها الحقيقي أَمَةُ العزيز، والمنصور جدُّها هو الذي لقّبها زُبيدة لنضارتها، توفيت سنة 216هـ.
اشتُهرت زبيدة بنت جعفر بالإنفاق العظيم في وجوه البرِّ والعمل الصالح
يقول إسماعيل بن جعفر بن سليمان: حجت أم جعفر، فبلغ نفقتُها في ستين يومًا أربعة وخمسين ألف ألف، وكانت صالحة تحب القرآن الكريم: كان في قصرها من الأموال والحَشَم والخَدَم والآلات ما يقصُر عنه الوصف، من جُملة ذلك مائة جارية كلٌّ منهنّ تحفظ القرآن، فكان يُسمع من قصرها كَدَوِيّ النَّحْلِ من القراءة.
لكن أعظم أعمالها هو الاهتمام بمسألة سقيا الماء للحجيج ومن يرعى الحجيج:
أولًا: مكة (الحرم)
هِي الَّتِي سقت أهل مَكَّة بعد أَن كَانَت الراوية عِنْدهم بِدِينَار، حيث أوصلت الماء إلى داخل مكة عن طريق قنوات عرفت بعين زبيدة، وكان هذا المشروع من المشاريع الهندسية العجيبة، وله بقايا موجودة إلى الآن، ووصفه اليافعي في القرن الثامن الهجري وكان ما زال يسقي مكة.
وأسالت المَاء عشرَة أَمْيَال تخط الْجبَال وتجوب الصخر حَتَّى غلغلته فِي الْحِلِّ إِلَى الْحرم وعملت عقبَة الْبُسْتَان فَقَالَ وكيلها: يلزمك نَفَقَة كَبِيرَة فَقَالَت اعملها وَلَو كَانَت ضَرْبَة الفأس بِدِينَار، وقد بلغت النفقة عليه ألف ألف وسبعمائة ألف دينار[3]، أي حوالي ما يقرب من 6000 كيلو ذهب، وهو ما يعادل 6 طن، أي يقدر بحوالي 6 مليار جنيه (أكثر من 320 مليون دولار).
ثانيًا: عرفة ومنى:
قال الفاسي: «ووجدت بخط بعض المؤرخين أنها اهتمت بحفر الأعين، بعرفة ومنى، ومكة. ويقال: إن وكيلها حضر إليها في بعض الأيام، وقال: قد انصرف إلى الآن نحو أربعمائة ألف درهم، فقالت له: ما أردت بهذا القول إلا أن تعنفني وتندمني وتمنعني من الخير، أصرف وتمم العمل، ولو كان أضعاف ذلك. واقترحتْ عليه أشياء أخر يعملها، فلما انتهى العمل، وأحضر العمال إلى بين يديها ليكتبوا الحساب قدامها قالت لهم: خلوا الحساب إلى يوم الحساب. ثم أمرت بغسل الدفاتر والأوراق رضى الله عنها»[4].
ثالثًا: الطريق من العراق إلى المدينة، ثم من المدينة إلى مكة:
لزبيدة بنت جعفر آثارٌ كثيرةٌ في طريق الحجِّ إلى مكَّة، والمدينة[5]، من حفر الآبار وتوفير المياه للحجَّاج طوال الطريق[6]، الآن تعرف بدرب زبيدة أو طريق الحج الكوفي (محطَّات على الطريق من الكوفة إلى المدينة فمكة، وطوله حوالي 1400 كيلو متر).
وعلَّق الرَّحَّالة الأندلسي ابْنُ جُبَيْرٍ أثناء زيارته مكَّة والمدينة على تلك الآثار بقوله: «وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكَّة هي آثار زبيدة ابنة جعفر؛ انتدبت لذلك مدَّة حياتها، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعمُّ وفدَ الله تعالى كلَّ سنةٍ من لدن وفاتها إلى الآن»[7]. وذكر ابن جبيرٍ ذلك الكلام عام 580هـ؛ أي بعد أكثر من ثلاث قرونٍ ونصف من موت زُبَيْدَةَ. وبعد حياةٍ عامرةٍ بفعل الخير.
سقي الماء:
روى النسائي وهو حسن عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟، قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: «سَقْيُ الْمَاءِ»[8].[9].
مشاريع سقيا الماء كثيرة
يوجد الكثير من الأفكار لمشاريع الماء سواء بحفر الآبار، أو بعمل توصيلات للمياه، أو حتى في الطريق للمارة، جزى الله خيرًا زبيدة أن نفعت الناس في زمانها وأزمان بعدها بالماء
ونفعتنا إلى زماننا الآن بقصتها![10].
[1] تزوَّجت هارون الرشيد عام 165هـ.
[2] وُلِد الأمين عام 171هـ
[3] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 2/ 314.
[4] المكي: العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين، 6/ 398.
[5] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، 10/277.
[6] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 16/619.
[7] ابن جبير: رحلة ابن جبير، ص165.
[8] النسائي كتاب الوصايا، باب ذكر الاختلاف على سفيان (6491).
[9] زيادة في مسند أحمد: فَتِلْكَ سِقَايَةُ آلِ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ، وحديث سقيا الكلب الذي أدخل صاحبه الجنة مشهور.
[10] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: زبيدة بنت جعفر وسقيا الماء
التعليقات
إرسال تعليقك