التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قضى الله في سننه التي يدبر بها الكون، لابد للناس من قائد لتستقيم حياتهم، ولابد لهم من مرجعية، فآتى الله بعض البشر خصائص معينة تهدف إلى صلاح البشرية.
إن الله عز وجل شاء أن يتولى سدانة بيته الأعظم أشرف القبائل في الدنيا، وهذا تشريف للكعبة، وتشريف في الوقت ذاته للقبائل القائمة عليها، وذكرنا قبل ذلك شرف قريش الذي تعترف به العرب جميعًا، وقد يقول قائل إن هذا الشرف لها ولغيرها كذلك، ولكن الواقع أن الله اصطفاها على غيرها، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وله حكمة وتطبيقات كثيرة في حياة الناس.
لماذا يصطفي الله أحدًا فوق الآخرين؟
هكذا قضى الله في سننه التي يدبِّر بها الكون، لابد للناس من قائد لتستقيم حياتهم، ولابد لهم من مرجعية، فآتى الله بعض البشر خصائص معينة تهدف إلى صلاح البشرية بشكل عام، كما اختار أنبياء قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 33، 34].
ليس هذا الاصطفاء عشوائيًّا، إنما عن علم، وسمع، وبصر، وهناك أمثلة كثيرة للاصطفاء مثل: مدح شعوبًا أو قبائل كما ذكرنا في أمر قريش وغيرها، أو جعل القوامة للرجل على المرأة، أو فاوت الناس في معدلات الذكاء، أو أعطى البعض ثروات هائلة وجعل آخرين فقراء: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الزمر: 52]، أو آتى بعض البشر الملك، ونزعه من آخرين: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
وليس بالضرورة أن ترى الحكمة من الاصطفاء والاختيار، فقد يحكم مَنْ لا تراه أهلًا للحكم، وهناك بعض الحكَّام في تاريخ العالم، وفي تاريخ المسلمين، مجانين، أو أطفال، أو سفهاء، ولكن هناك حكمة؛ قد يكون منها الاختبار، وقد يكون منها العقاب ولفت النظر، وقد يكون منها الإهلاك، والخلاصة:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].
مراحل الاصطفاء
روى مسلم عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»[1].
لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم من الاصطفاء بهذه الصورة كلَّ القبائل القحطانية، وهي قبائل كبرى ومشهورة:
1- منها طيء، ومنها عدي بن حاتم
2- ومنها دوس، ومنها الطفيل بن عمرو، وأبو هريرة
3- ومنها الأشعريون، ومنهم أبو موسى الأشعري
4- ومنها على الأغلب بجيلة، ومنهم جرير بن عبد الله
5- ومنها قبائل مراد، ومنهم أويس القَرَني، أفضل التابعين، من قبيلة قَرَن فرع من مراد
6- ومنها الأزد، وهي قبائل كبرى، فمن الأزد الأوس والخزرج وغسَّان ملوك الشام.
ليس هذا انتقاصًا من قدر القبائل اليمانية، فقد رفع اللهُ قدرها، ولكن في بعض المجالات: روى البخاري عَنْ أَبِي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ..»[2].
قد يقول قائل: نعم اصطفى الله كنانة من ولد إسماعيل، ولكن هناك من البشر مَنْ هم أفضل من ولد إسماعيل، وقد يكون منهم أهل اليمن القحطانيون أو غيرهم.
نقول: ليس هناك في البشر من هم أفضل من أولاد إسماعيل عليه السلام كقبيلة، وإن كان كثير من الأنبياء ليسوا من ولد إسماعيل، وهم أفضل البشر بلا جدال:
روى الترمذي وهو صحيح عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُرَيْشًا[3] جَلَسُوا فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَجَعَلُوا مَثَلَكَ كَمَثَلِ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ [4]مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ[5] وَخَيْرِ الفَرِيقَيْنِ[6]، ثُمَّ تَخَيَّرَ القَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَةٍ[7]، ثُمَّ تَخَيَّرَ البُيُوتَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ[8]، فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا، وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا»[9].
وفي رواية عند الترمذي وأحمد عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: بَلَغَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ[10]، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا»[11].
كم أولاد عدنان (العرب المستعربة) في العالم؟
العرب المستعربة (عرقيًّا) الآن هم سكان الدول العربية في آسيا دون اليمن وعمان وهم حوالي 120 مليون، ولكن يجب استثناء غير العرب المستعربة في الدول الأسيوية وهو كثر، يعني يمكن القول بأن العدد حوالي 100 مليون، عدد سكان العالم في 2022 حوالي 8 مليار، إذن العرب المستعربة 1.25 %![12].
[1] مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، (2276).
[2] البخاري: كتاب المناقب، باب قول الله تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (3308).
[3] يقصد الكفار من قريش
[4] كبوة: كناسة
[5] يقصد فريق الإنس
[6] أي فريقي العرب والعجم
[7] يقصد قبيلة قريش
[8] يقصد بيت بني هاشم
[9] الترمذي: كتاب المناقب، باب في فضل النبي ﷺ (3608)، وقال: حسن. وأحمد (1788)، وانظر: الألباني: صحيح الجامع، (1472).
[10] عدل إلى ذكر النسب لا الصفة لكون الحديث عن النسب.
[11] الترمذي: كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3532)، وقال: هذا حديث حسن.
[12] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: هل يصطفي الله عرقًا دون عرق؟
التعليقات
إرسال تعليقك