التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تاريخ الفتوحات الإسلامية هو أعظم تاريخ عرفته البشرية، فهو تاريخ أمة شاهدة وأمة خاتمة، وأمة صالحة، وأمة تقية نقية، أمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر.
الرسول القائد النبي العربي محمد صلوات الله وتسليمه عليه، هو أبو الجيش الإسلامي الأول ومؤسسه وقائده ورائده ومنظمه ومسلحه ومدربه وباعث كيانه، وموطد أركانه وراسم أهدافه ومخططها.
لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة من بعثته حتى هجرته توحيدًا من أجل الجهاد، وكانت حياته المباركة بالمدينة المنورة من هجرته إليها حتى التحاقه بالرفيق الأعلى، جهادًا من أجل التوحيد.
وقد قاد الرسول صلى الله عليه وسلم ثماني وعشرين غزوة بنفسه خلال سبع سنين بعد هجرته إلى المدينة المنورة، فقد خرج إلى غزوة ودّان، وهي أول غزو قادها الرسول القائد بنفسه في صفر من السنة الثانية للهجرة، وكانت غزوة تبوك آخر غزواته في رجب من السنة التاسعة للهجرة، وقد نشب القتال بين المسلمين الذين بقيادته، وبين المشركين أو اليهود بتسع غزوات من تلك الغزوات، بينما فرّ المشركون في تسع عشر غزوة من تلك الغزوات.
وكان عليه أفضل الصلاة والسلام الرسول القائد على رأس الذين خططوا للفتح الإسلامي، فهو الذي رسم بنفسه الخطة التمهيدية لفتح أرض الشام، حيث أرسل في السنة الثامنة للهجرة زيد بن حارثة الكلبي على رأس حملة تعدادها ثلاثة آلاف رجل إلى الحدود الشمالية الغربية من بلاد العرب، وهناك عند مؤتة التقى المسلمون بقوات الروم، وفي السنة التاسعة للهجرة قاد الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه غزوة تبوك، فأظهر قوة المسلمين وعاد إلى المدينة.
وفي السنة الحادية عشرة للهجرة أعد النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا بقيادة أسامة بن زيد لمهاجمة الروم، غير أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم التحق بالرفيق الأعلى في ربيع الأول من تلك السنة قبل حركة جيش أسامة، فترك لخلفائه خطة واضحة المعالم، وولى وجوههم شطر قبلة عيَّنها لهم.
وهكذا وقف الرسول القائد بثاقب رأيه على أن أشد الأخطار التي يمكن أنْ تحل ببلاد العرب، وتناوئ دعوته أنما موطنها أرض الشام حيث الروم وعمالهم الغساسنة، وقد أثبتت حوادث الفتح الإسلامي في أرض الروم صدق هذه الإشارة، فكان الروم أشد المحاربين عنادًا.
وبعد بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة كانت بعثة أسامة بن زيد، وكانت حروب الردة، وكانت بعوث فتح العراق والشام، فقام على هذه المآثر الثلاثة التي لا يقضي حقها من الاكبار كل مقام بعد ذلك من بناء.
كان النفاق يطلع رأسه في مكة والمدينة، وكانت القبائل البادية تتسابق إلى الردة في أنحاء الجزيرة، وهنا يقول الصدّيق وقد خوّفوه الخطر على المدينة والجيش يفارقه: "والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرّت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزت جيش أسامة".
وشيَّع أبو بكر الصديق بعثة أسامة، ثم قال لأسامة "اصنع ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم... ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله".
وعاد جيش أسامة من وجهته إلى المدينة، فكان انفاذه أعظم نفعًا للمسلمين، فإن العرب قالوا: "لو لم يكن بهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش"، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه، وأقدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على توجيه جيوشه إلى المرتدين رافضًا ما عرضه عليه بعضهم من إقامة شعائر الإسلام كلها إلاّ الزكاة حتى أعاد إلى شبه الجزيرة العربية الوحدة تحت لواء الإسلام كما كانت أيام النبي صلى الله عليه وسلم....
وبانتصار الخليفة أبو بكر الصديق في هاتين الجولتين أصبح العرب المسلمين قوة جبارة وجدت لها متنفسًا في الفتح الإسلامي، ففي سنة اثنتي عشرة هجرية كانت جيوش خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة الشيباني تتغلغل في أنحاء العراق متنقلة من نصر إلى نصر، حتى وصلت إلى الفراض تخوم الشام والعراق والجزيرة.
وفي سنة ثلاثة عشرة هجرية، كانت جيوش المسلمين وعلى رأسها خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان يدكون معاقل الروم في أرض الشام وينتصرون في معركة اليرموك، أول معركة حاسمة من معارك الفتح الإسلامي.
في تلك السنة، أي سنة ثلاثة عشرة هجرية، مات الخليفة أبو بكر الصديق القائد الأعلى الثاني لجيوش المسلمين بعد أن بدأ بالفتح بداية موفقة منفذًا خطة القائد الأعلى الأول محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وتسليمه.
ومن بعد أبو بكر كان عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، عهد الفتح الإسلامي الذهبي، فقد حالف النصر أعلام المسلمين فيه، فامتدت دولتهم حتى جاوزت الأفغان إلى قرب حدود الصين شرقًا، وإلى الأناضول وبحر قزوين شمالًا، وإلى تونس وما وراءها من إفريقية الشمالية غربًا وإلى بلاد النوبة جنوبًا.
لقد فتح عمر رضي الله عنه العراق وإيران وأكثر مناطق أرمينية وبلاد الشام بما فيها سورية ولبنان وشرقي الأردن وفلسطين، ومصر وليبيا والنوبة، وخاضت جيوش المسلمين في أيامه ثلاث معارك حاسمة من معارك الفتح الإسلامي: معركة القادسية التي فتحت للعرب المسلمين أبواب العراق والاهواز، ومعركة بابليون التي فتحت لهم أبواب مصر وليبيا والنوبة، ومعركة نهاوند التي فتحت لهم أبواب إيران كلها.
كل هذا الفتح العظيم أُنجز خلال عشرة أعوام فقط، من سنة ثلاثة عشرة للهجرة إلى سنة ثلاث وعشرين للهجرة، فقد توفي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين هجرية، بعد أنْ ترك خلفه قوة هائلة، ووحدة رصينة، وحضارة خالدة، ودولة واسعة عظيمة مهدت السبيل لامتداد نفوذ الإسلام في الشرق والغرب[1].
[1] محمود شيت خطاب: قادة فتح بلاد فارس، دار الفتح، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1385هـ= 1965م، ص301- 339.
التعليقات
إرسال تعليقك