التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
العجاردة هم أحد فرق الخوارج الرئيسة غير أنه عندما حبس قائدهم افترق أتباعه على ثمان فرق موالية له، وإن كان بعضها يكفر بعضًا. فمن العجاردة؟ وما سبب نشأتها؟
نشأة العجاردة ونسبتهم
هم اتباع عبد الكريم بن عجرد وأكثر الناس على أنَّ عبد الكريم هذا كان مع عطيَّة بن الأسود الحنفي بسجستان، فهو في أصل مذهبه من النجدات، ونسبه ابن حزم إلى الصفرية، وأشار الشهرستاني إلى أنَّه كان في الأصل من أصحاب أبي بيهس.
والظاهر أنَّ أصل عبد الكريم بن عجرد من أهل فارس كما أنَّ جلَّ أتباعه من الفرس كذلك.
ولمـَّا شاع ذكر عبد الكريم هذا ودخل في فتنته كثيرٌ من الناس أخذه خالد بن عبد الله البجلي القسري وحبسه، وكان أتباعه قبل حبسه على مذهبٍ واحدٍ هو أنَّه تجب البراءة من الأطفال (حتى ولو كانوا أبناءهم قبل البلوغ). فإذا بلغوا وجب دعوتهم إلى الإسلام أو وصفهم له، وأنَّ أموال مخالفيهم لا تكون مباحةً لهم إلَّا بعد قتلهم لأصحابهم، وأنَّ الهجرة إليهم ليست بفرضٍ وإنَّما هي فضيلةٌ ما دام القاعد عن الهجرة معروفًا بالديانة، ويكفرون بالكبائر.
فلمَّا حُبِس عبد الكريم افترق أتباعه على ثمان فرقٍ مواليةٍ لعبد الكريم، وإن كان بعضها يُكفِّر بعضًا، وهذه الفرق هي:
الخازمية:
أتباع رجلٍ يُقال له خازم بن علي، وهم أكثر عجاردة سجستان، وقد عُرِفوا بموافقة أهل السنة في عموم قدر الله تعالى ومشيئته، كما عُرِف عنهم أنَّهم يزعمون أنَّ ولاية الله تعالى للعبد أو عداوته له إنَّما تكون على حسب ما يعلمه الله تعالى من مصير العبد، فمن علم الله تعالى موته على الإيمان تولَّاه حتى ولو عاش أكثر عمره كافرًا، فهو وليُّ الله حتى في وقت كفره، ومن علم الله موته على الكفر عاداه حتى ولو عاش أكثر عمره مؤمنًا فهو عدوٌّ لله حتى في مدَّة إيمانه.
وعلى هذه القاعدة يلزمهم القول بأنَّ عليًّا وطلحة والزبير وعثمان بن عفان من أولياء الله لأنَّهم ممَّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وقد قال الله تعالى في أهل الحديبية: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وبهذا يظهر تناقضهم وفساد اعتقادهم.
الشعيبية:
ولم يُعرف لهم مذهبٌ خاص. وقولهم في القدر كقول الخازميَّة، وإنَّما صاروا فرقةً من المجاردة بسبب نزاعٍ بين شعيب زعيمهم وبين رجلٍ من العجاردة يُقال له: میمون بن خالد أو ابن عمران؛ فقد كان لميمون على شعیب مال فلمَّا تقاضاه قال له شعيبٌ: أعطيكه إن شاء الله. فقال له ميمون: قد شاء الله ذلك في هذه الساعة. فقال شعيب: لو كان قد شاء ذلك لم أستطع إلَّا أن أُعطيكه. فقال میمون: قد أمرك الله بذلك وكلُّ ما أمر به فقد شاءه وما لم يشأ لم يأمر به.
فانحاز جماعةٌ من العجاردة لشعيب وانحاز جماعةٌ أخرى منهم إلى میمون، واستفتوا في ذلك إمامهم عبد الكريم بن عجرد وهو في السجن؛ إذ أرسلوا إليه كتابًا بما جرى بين شعيب وميمون وطلبوا منه إفتاءهم في ذلك، فأجابهم إجابةً مبهمةً مختصرة، إذ قال: إنَّما نقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءًا.
وقد وصل الجواب إليهم بعد موت ابن عجرد فادَّعى ميمون أنَّ ابن عجرد قال بقوله لأنَّه قال: لا نلحق بالله سوءًا، وادَّعی شعيب أنَّ ابن عجرد قال بقوله. لأنَّه قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقد مال أكثر الخازميَّة إلى قول شعيبٍ فصار له بهذا فرقة من فرق العجاردة.
الميمونية:
هم أتباع ميمون بن خالد أو ابن عمران الذي ذكرنا قصَّته مع شعيب العجردي، وقد ذكر الشيخ أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميِّين أنَّ بعض الناس يقول: إنَّ عبد الكريم بن عجرد ومیمون هذا رجلٌ من أهل بلخ.
وقد ذهب ميمون إلى إنكار عموم قدر الله ومشيئته، وزعم أنَّه ليس لله تعالى في أعمال العباد مشيئة، وليست أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وأنَّ الله تعالي يُريد الخير دون الشر، وقال: إنَّ أطفال المشركين في الجنَّة، وأنَّ أصحاب الذنوب كفَّار، وأنَّه يجب قتال السلطان ومن رضي بحكمه، وأمَّا غير السلطان فلا يجب قتاله إلَّا إذا أغار عليهم أو طعن في دينهم أو كان دليلًا للسلطان. كما ذهب ميمون إلى جواز نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات أولاد الأخوة وبنات أولاد الأخوات، وقال: إنَّما ذكر الله في تحريم النساء بالنسب: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت. ولم يذكر بنات البنين، ولا بنات البنات، ولا بنات أولاد الإخوة، ولا بنات أولاد الأخوات، كما أنكر الميمونيَّة أن تكون سورة يوسف من القرآن الكريم، وقد نُسِب هذا القول إلى عبد الكريم بن عجرد.
الخلفية:
هم أتباع رجلٍ يُقال له خلف، كان من جملة الميمونيَّة ثم خالفهم في القَدَر والمشيئة فأثبت عموم قدر الله تعالى ومشيئته، وتَبِعَه على ذلك خوارج کرمان ومكران.
والخَلَفِيَّة لا يرون القتال إلَّا مع إمامٍ منهم، وزعموا كذلك أنَّ أطفال مخالفيهم في النار.
المعلومية:
وهم فرقة من الخازمية زعمت أنَّ من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه يكون جاهلًا بالله، والجاهل بالله تعالی کافر، كما زعموا أنَّ أفعال العباد غير مخلوقةٍ لله تعالى، وهم يرون إمامة من كان على مذهبهم وخرج بسيفه على أعدائه، ولا يرون تكفير القعدة.
المجهولية:
وهم فرقة كذلك من الخازميَّة، وقولهم كقول المعلوميَّة إلَّا أنَّهم قالوا: من عَرِف الله تعالى ببعض أسمائه فقد عرفه ومن عرفه كان مؤمنا ويرون أنَّ المعلوميَّة كفار.
الصلتية:
وقد اختُلِف فيمن ينُسَبُون إليه فقيل: يُنْسَبون إلى رجلٍ من العجاردة يُقال له الصلت بن أبي الصلت، وقيل: عثمان بن أبي الصلت، وقیل: اسمه صلت بن عثمان، وقال الشهرستاني فيهم: أصحاب عثمان بن أبي الصلت والصلت بن أبي الصلت.
والذي تفرَّدت به هذه الفرقة أنَّهم قالوا إذا استجاب لنا الرجل وأسلم تولَّيناه وبرئنا من أطفاله؛ لأنَّه ليس لهم إسلامٌ حتى يبلغوا ثم يدخلوا في الإسلام.
الحمزية:
هم أتباع حمزة بن أكرك أو ابن أدرك العجردي القدري، الذي ظهر في خلافة الرشيد عام ۱۷۹ من الهجرة.
وقد وافق القدريَّة المعتزلة في سائر بِدَعِهِم ولم يُخالف هؤلاء المعتزلة عن الحقِّ إلَّا في القول بأنَّ أطفال المشركين في النار، ولذلك كفَّره عامَّة العجاردة والمعتزلة، وقد كان حمزة أخطر خارجيٍّ في العجاردة؛ فقد أفسد في سجستان وقوهستان وکرمان ومکران، وهزم الجيوش الكثيرة، وكان إذا قاتل قومًا وهزمهم أمر بإحراق أموالهم وعَقَر دوابَّهم وقتل من أسره منهم.
وقد كان يُقاتل كلَّ من لم يُوافقه؛ فقاتل الخَلَفِيَّة من العجاردة وأفني منهم خلقًا كثيرًا، كما قاتل الخازميَّة من العجاردة والبيهسيَّة من الخوارج وكاد يستأصل شأفتهم، وقد دامت فتنته بخراسان وکرمان وقهستان وسجستان إلى آخر أيام الرشيد وصدر من خلافة المأمون.
ولمـَّا تمكَّن المأمون من الخلافة كتب إلى حمزة كتابًا يدعوه فيه إلى طاعته فما ازداد إلَّا عنادًا وإفسادًا، فوجَّه إليه المأمون جيشًا بقيادة طاهر بن الحسين، فدارت بينهما حروبٌ قُتِلَ فيها أكثر من ثلاثين ألفًا من الفريقين، وأكثر القتلى من أتباع حمزة.
ثم انهزم الحمزيَّة إلى کرمان، ولمـَّا استدعى المأمونُ طاهرَ بن الحسین من خراسان طَمِعَ حمزةُ في خراسان وتوجَّه إليها بجيشه، فخرج إليهم عبد الرحمن النيسابوري في عشرين ألف مقاتلٍ من غزاة نيسابور ونواحيها، فهزموا الحمزيَّة وقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفرَّ حمزة جريحًا ومات متأثِّرًا بجراحه في هزيمته، وأراح الله المسلمين من شرِّه.
خلاصة مذهب العجاردة:
[۱] - وجوب دعوة الطفل إذا بلغ والبراءة منه أو التوقُّف فيه قبل ذلك، ومنهم من حكم بأنَّ أطفال المشركين في الجنَّة ومنهم من قال في النار.
[۲] - يتولَّون القَعَدَة (من الخوارج إذا عُرِفُوا بالتقوی) - من موافقيهم في الدين والمذهب.
[۳] - لا يرون وجوب الهجرة إليهم بل يستحبُّونها.
[4] - وعامَّتهم (في الأصل) لا يستبيحون أموال المخالف إلَّا إذا قتلوه.
[5] - وأكثرهم يقول بعموم قدر الله تعالى ومشيئته.
[6] - والميمونيَّة منهم لا يختلف الناس في كفرهم لأنَّهم أنكروا ما عُلِمَ من دين الإسلام بالضرورة؛ كإنكارهم سورة يوسف، وإباحتهم بنات أولاد الابن وبنات أولاد البنت وبنات أولاد الإخوة وبنات أولاد الأخوات.
المصدر: كتاب الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر بن شيبة الحمد.
التعليقات
إرسال تعليقك