التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يسلط المقال الضوء على أشهر خزائن الكتب والمكتبات في الدولة الأموية ومنها خزانة بيت الحكمة التي أسسها معاوية بن أبي سفيان
خزانة بيت الحكمة
هناك مؤشرات تدل على وجود خزائن الكتب في العصر الأُموي، سواء على المستوى الشخصي أو العام، فيقال أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قد أَسس خزانة للكتب في قصر الخضراء (دار الخلافة) بدمشق، وأسماها بيت الحكمة، يجمع فيها الكتب التي يأتيه بها أعوانه، والكتابات التي يسجلها له كتَّابه "ويعنى بها غلمان له، مرتِّبون، قد وُكِلوا بحفظها وقراءتها" عليه، وليس ذلك بغريب على معاوية، فقد أُثر عنه أنه كان يجلس إلى ثلث الليل يسمع ممن يقرأ عليه أخبار العرب وأيامها وأخبار العجم وملوكها وسياساتها لرعيتها وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة وحروبها ومكائدها.
هذه الخزانة (بيت الحكمة) التي أسسها معاوية، ربما أفادت الكثيرين، ومنهم خالد بن يزيد بن معاوية الذي عمل بدوره على إثرائها بالمعارف والعلم، فيروى عنه حبه لجمع الكتب، وأنه قال في ذلك: "عنيت بجمع الكتب، فما أنا من العلماء ولا من الجهّال". ويروى أنه كان من ضمن أنفس محتوياتها تلك الترجمة العربية التي قام بها ماسرجيس (ماسرجُويه) لثلاثين مقالة في الطب أَلَّفها باليونانية أو السريانية الطبيب أَهْرَن بن أَعْيَن، ولكن لم يكن يسمح بتداولها حتى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويروى أن عمر استخار الله أربعين يومًا ثم بث الكتاب في الناس.
نمت خزانة بيت الحكمة وازدهرت في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، فيروى أن المكتبة ضمت مصاحف وأشعارًا وأخبارًا كان صاحب المصاحف يجمعها ويعنى بها ويعطيها للنساخ فيكتبونها بخط حسن، وقد اشتهر في تلك الفترة الخطاط خالد بن أبي الهيّاج، فيذكر ابن النديم أن الخليفة الوليد اختار لكتابة المصاحف خالد بن أبي الهيَّاج، الذين كان حسن الخط.
وأسس الخليفة عمر بن عبد العزيز خزانة للكتب العلمية في أنطاكية حيث افتتح فيها معهدًا للعلوم الطبية، جلب إليه مدرسين من معهد الطب في الإسكندرية، ومنهم الطبيب عبد الملك بن أبجر الكناني.
وعندما قتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك في البَخْراء سنة 126هـ / 743م، أُخرجت الكتب من مقر إقامته في الأزرق (في الأردن) وحملت على الدواب لكثرتها، (ومنها كتب تحوي أحاديث الزهري).
خزائن الكتب الخاصة
أما عن خزائن الكتب الخاصة وإنشائها على المستوى الفردي، فهناك من يرى أن عروة بن الزبير (ت 94هـ / 712م) كانت له خزانة كتب في المدينة، حوت كتبًا فقهية وتاريخية، ولكن هذه الخزانة قد حُرِقَت (أو أُحرقت) أثناء اقتحام جند يزيد بن معاوية المدينة إبان وقعة الحرة سنة 63هـ / 682م، وقد حزن عروة لفقدها، وقال: "لأن تكون عندي، أَحبّ إليَّ من أن يكون لي مثلُ أَهلي ومالي".
وأن عبد الله بن عباس (ت 68هـ / 687م) كانت لديه صحفًا تتكون منها مكتبته الخاصة في مكة، وهي في معظمها مما كتبه ابن عباس في الحديث أو التفسير أو الفقه، وآلت هذه الصحف من بعد وفاته إلى موسى بن عقبة الأسدي الذي قدَّرها بِحِمْل بعير، أو عَدْل بعير.
وكانت لدى محمد بن شهاب الزهري (ت 124هـ / 741م) تلميذ عروة بن الزبير، خزانة كتب في الرُّصافة تحوي أعدادًا هائلة من الكتب بحيث ملأت عليه حجرات البيت "وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله، فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يومًا: والله لهذه الكتب أشدُّ عليَّ من ثلاث ضرائر".
وأن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150هـ / 767م) كانت لديه خزانة كتب خاصة بمكة، وكان من ضمن محتوياتها جزء مما كتبه الزهري في الحديث، كان ابن جريج قد أخذه منه ونسخه وأجازه له الزهري.
وكانت لأبي عمرو زيان بن العلاء المازني التميمي (توفي فيما بين 154 - 159هـ / 770 - 775م، أَحد القُراء السبعة ومن أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر) خزانة كتب، وكانت كتبه التي كتَب عن العرب الفُصَحاء قد ملأت بيتًا له إلى قريب من السقف، ثم إنه تَقَرَّأ -أي تَنَسَّك- فأَحْرَقَها كلها، واعتمد في عمله عقب ذلك على ما كان حفظه بقلبه.
ويروى أن عبد الحكم بن عمرو بن صفوان الجُمَحي قد "اتخذ بيتًا، في مكة، فجعل فيه شَطْرَنْجات، ونَرْدات، وقِرْقات، ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتادًا، فمن جاء علّق ثيابه على وتد منها، ثم جرّ دفترًا فقرأه، أو بعض ما يلعب به، فلعب به مع بعضهم".
اهتمام الخلفاء الأُمويين بالنهضة العلمية
وهكذا يتضح أن الخلفاء الأُمويين وولاتهم على الأقاليم قد أَولوا الجانب الثقافي اهتمامًا كبيرًا، فكانوا يشجعون التعليم بمراحله المختلفة، فيتفقدون الكُتَّاب ويحرصون على وجود الفقهاء في المساجد، ويدفعون رواتب للمعلمين، ويحثونهم على ملاحقة التلاميذ وتدريسهم حتى وإن رحلوا إلى مناطق نائية، ويأمرون بدفع إعانات للطلبة المنصرفين للعلم، كما شجع الأمويون، ورعوا، عملية تدوين الحديث النبوي الشريف فحفظوه من الضياع، واستحدث الخلفاء الأمويون نظام التأديب، وظهر عندهم مصطلح المُؤَدِّب، وحرص الخلفاء أنفسهم على اختيار المؤدبين لأبنائهم؛ وشاركوهم في وضع المناهج الخاصة بتعليمهم، والعقوبات التي يجب أن ينزلوها بهؤلاء الأبناء في حال تكاسلهم، وقد ظهر أثر التعليم واضحًا في تقدم الحركة الفكرية سواء كان ذلك في مجال التدوين والتأليف، أو الترجمة، أو في ظهور بدايات لخزائن الكتب الخاصة والعامة.
ومهما يكن الأمر، فإن تلك المنجزات الثقافية التي تحققت في العصر الأموي ما كان لها أن تتم وتزدهر لولا تضافر الجهود على المستويين الرسمي والشعبي، وأن هذه المنجزات حتى وإن كانت قليلة نسبيًا إلا أنها قد شكلت أساسًا متينًا للحركة العلمية العربية الإسلامية التي ازدهرت في العصر العباسي.
التعليقات
إرسال تعليقك