جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
منذ بداية الربيع العربي العام الماضي والمعارضة السودانية تمني نفسها بأن تلحق بلادها بتلك الثورات العربية.. فهل يلحق السودان بالربيع العربي؟
منذ بداية الربيع العربي العام الماضي والمعارضة السودانية تمنِّي نفسها بأن تلحق بلادها بتلك الثورات، عقدت المؤتمرات والندوات ودعت لإسقاط النظام، إلا أنها لم تسيِّر المسيرات ولم تنظم التظاهرات، فلم يكن لمطالبها أيّ تأثير، وقد قابلها النظام السوداني برئاسة عمر البشير باستخفاف ولا مبالاة، ومضى النظام في سياسته المعهودة دون أي تغيير، وقد انقسم السودان إلى دولتين خلال ذلك العام، بإعلان انفصال دولة جنوب السودان رسميًّا، وفَقَد الشمال نحو ثلاثة أرباع المصادر النفطية.
رغم التغير الديمجرافي في تركيبة وعدد السكان ومساحة البلاد، إلا أن هذا لم يوازيه تغيُّر في السياسة العامة للدولة، ولم تنتبه الدولة التي فقدت جزءًا كبيرًا من مساحتها وأخلت مسئوليتها عن أعداد كبيرة من السكان كانت مسئولة عنهم إلى ضرورة تغيير تلك السياسة التي تنتهجها، والتي لم تعد على المجتمع السوداني بفائدة كبيرة، بل ازداد الأمر سوءًا، وساءت الظروف الاقتصادية حتى أعلنت الدولة فرض حالة من التقشف في البلاد، ورفع الدعم عن المحروقات، ورفع أسعار بعض السلع، وكانت هي القشّة التي قصمت ظهر البعير، فانتفض شباب الجامعات رفضًا لهذا القرار.
خرجت التظاهرات الطلابية وتعرضت لها سلطات الأمن، واستمرت التظاهرات، واندمجت معها الأحزاب السياسية، وتواصلت التظاهرات واستمرت رغم مرور أسابيع على قرار الحكومة، إلا أنها لم ترق بعدُ إلى مستوى الثورة الشعبية كما حدث في بلدان الربيع العربي، وهنا يثور تساؤل طبيعي: هل يلحق السودان بالربيع العربي؟!
إن لكل من المعارضة والسلطة في السودان أوراق قوة، يلعبون بها في مواجهة بعضهم البعض، فالنظام السوداني يمتلك قوات الجيش والشرطة التي تأتمر بأمره وتواليه بشكل واضح، ولا يوجد فيهما أو بينهما أية انقسامات، كما أنهم معتادون على المواجهات وفضّ الشغب بل والمواجهات المسلحة مع متمردي دارفور والجبهة الشعبية، وهي ورقة قوة واضحة يمتلكها النظام السوداني. كما أنها قد تكون أكثر إصرارًا على حماية النظام؛ خوفًا من سقوط الدولة والدخول في حروب طويلة، خصوصًا مع النزاعات المستمرة في أطراف الدولة شرقًا وغربًا وجنوبًا والمؤامرات التي تحاك لـ"السودان".
إن التحديات التي تواجهها الدولة السودانية في أطرافها المختلفة في الشرق والغرب، وفي الجنوب حيث دولة جنوب السودان وما تمثلها من تحديات، والحرب شبه المستمرة بين السودان وجنوب السودان والنزاع المستمر على ترسيم المناطق الغنية بالنفط، تمثل ورقة قوة للنظام السوداني -في أحد الجوانب- حيث سيستغله إعلاميًّا لإحداث نوع من الالتفاف الشعبي حوله والتمسك به؛ لمنع تقسيم ما تبقى من البلاد، وقد عمد النظام السوداني إلى استخدام تلك الورقة كثيرًا فيما سبق، ومن المرجح أن ينجح في تحقيق التفاف شعبي إذا أحسن الأداء الإعلامي.
الورقة الثالثة التي يمتلكها النظام السوداني هي العداء الأمريكي والغربي للرئيس السوداني عمر البشير شخصيًّا، والسعي الدءوب لإزاحته من الحكم عبر الملاحقة القضائية من المحكمة الجنائية، دون النظر إلى الجرائم التي يرتكبها المتمردون، وبالتالي يكون لاتهام المحتجين بأنهم يتحركون بأجندات خارجية تستهدفه شخصيًّا لوقوفه في وجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني - وجهٌ من الصحة في نظر العامّة الذي رأوا فصولاً من استهداف رئيسهم، وهذه ورقة يستغلها الرئيس السوداني لعمل اصطفاف شعبي خلفه شخصيًّا، وغالبًا سيقوم بالتضحية ببعض الشخصيات التي يراها ذات سمعة سيئة أو غير ذات قيمة أو سببًا في إثارة غضب الشعب، كما فعل قبل أيام وأعفى كل مستشاريه من كافة الأحزاب المتحالفة معه في إطار خطة لإعادة هيكلة الإدارة والحكم في البلاد، كما أعلن ذلك.
بينما يعتمد النظام السوداني على أوراق القوة هذه، فإن المعارضة السودانية أيضًا لديها أوراق قوة توظفها في المرحلة الراهنة لإسقاط ذلك النظام، يأتي على رأسها الواقع السيئ الذي آل إليه السودان تحت حكم البشير، فها هو جنوب السودان قد استقلّ بذاته وانفصل بناءً على اتفاقية نيفاشا التي وقّع عليها نظام البشير، وقد لعبت "الحركة الشعبية" على وقع الظروف السيئة التي يعيشها الجنوبيون في ظل الدولة السودانية لدفع الجنوبيين للتصويت لصالح الانفصال، حتى جاءت النتيجة حاسمة كاسحة، ومع ذلك لم تنته المشاكل بانفصال الجنوب بل بدأت مشاكل أخرى؛ وذلك نتيجة القصور المتعمد في بنود الاتفاقية.
وفي غرب السودان مشاكل دارفور مستمرة، وكذلك الشرق الذي يحذو حذو الجنوب ويسير باتجاه الانفصال، وهذا يعطي المعارضة حجة قوية، ويجعل لها شعبية في وجه النظام.
كذلك يعاني الشعب السوداني من ظروف معيشية سيئة؛ بسبب سوء الإدارة التي يعاني منها النظام السوداني، ازدادت سوءًا مع انفصال الجنوب وفقدان السودان نحو 75% من النفط، وهذا له تأثير سلبي كبير على الظروف المعيشية بالقطع، ولم يحدث بالتوازي مع ذلك إعادة هيكلة للدولة كلها بعد فقدانها جزءًا كبيرًا من الأرض والسكان والموارد، وجاء قرار الحكومة بإعلان حالة التقشف وما تبعها من إجراءات، ليؤكد أن الأمور تتجه من سيئ إلى أسوأ، وهي ورقة إنْ لعبت عليها المعارضة السودانية فقد تحقق حشدًا وتعاطفًا لا بأس به مع الحركة الاحتجاجية، قد تئول في النهاية إلى ثورة شعبية، ويجب ألاّ ننسى أن أهم شعارات الثورات العربية هي "عيش - حرية - عدالة اجتماعية".
تتميز المعارضة في السودان بوجود أحزاب قوية نسبيًّا عما كان الحال في الدول الأخرى، فبينما كانت جماعة الإخوان المسلمين تمثل المعارضة المصرية مع أحزاب هشّة أخرى لا شعبية لها، فإن المعارضة السودانية تتكون من عدة أحزاب لها شعبية حقيقية في الشارع، فهناك حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، وحزب المؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي، والحزب الوطني، وحزب المؤتمر السوداني، وحركة القوى الجديدة "حق".. وهذه الأحزاب وغيرها، من الممكن أن تقوم بحشد أعداد غفيرة وتنظيم تظاهرات ومسيرات كبيرة تهدد النظام السوداني.
ومما يميز المعارضة السودانية ويعدّ من نقاط قوتها أنها شبه متفقة فيما بينها، فقد أصدرت قبل أيام وثيقة بشأن كيفية التعامل مع الحكومة السودانية أطلقوا عليها اسم "البديل الديمقراطي"، دعت فيها إلى فترة انتقالية يحكمها إعلان دستوري تبدأ بتشكيل الحكومة الانتقالية وتنتهي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وحددت الوسائل التي ستتخذ لتحقيق أهدافها، كما تتضمن الوثيقة عدم استغلال الدين في الصراع السياسي أو الحزبي؛ لضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي!!
ومن أهم نقاط القوة لدى المعارضة أن الحركة الاحتجاجية بدأت باحتجاجات وتظاهرات طلابية، والطلاب والشباب هم وقود التظاهرات والاحتجاجات ولديهم من الحماسة والإصرار والأسباب ما يجعلهم يواصلون طريقهم ويكملون مسيرتهم، كما أن لديهم الجرأة على مواجهة سلطات الأمن، فالمعارضة السودانية خرجت من طور معارضة النخبة إلى المعارضة المجتمعية وخاصة فئة الشباب والطلاب، وهي الفئة الأهم في الثورات التي شهدها العالم العربي، بدءًا من تونس ومرورًا بثورة مصر وليبيا واليمن، حتى ثورة سوريا التي ستكلل بالنصر إن شاء الله، وهو ما يعطي بارقة أمل للمعارضة بإمكانية تحوّل تلك الاحتجاجات إلى ثورة شعبية.
الواقع إذن أن كلاًّ من النظام والمعارضة لديه أوراق قوة يلعب بها، يوظِّفها ويخوض بها معركته في وجه الطرف الآخر، ولا يمكن الحكم أيهما أقوى وأيهما سيحسم المعركة، إلا من خلال معرفة كيفية توظيف كلٍّ منهما لما بين يديه وما يملك من أوراق قوة، فأيهما استطاع توظيف أوراقه وترتيبها جيدًا حسم المعركة لصالحه، علمًا بأنها لن تكون آخر الجولات إذا كانت النتيجة لصالح النظام.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
التعليقات
إرسال تعليقك