ملخص المقال
هذه مجموعة من فتاوى يوم عاشوراء تدور حول حكم صيام عاشوراء وصفة صومه، وجواز صوم عاشوراء فقط دون صيام يوم قبله تاسوعاء أو يوم بعده
1- أسأل عن حكم صيام عاشوراء، وصفة صومه، وهل يوجّه الناس إلى تحرِّي هلال شهر المحرم؟
أجاب العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- قائلاً:
صيام يوم عاشوراء سنة يستحب صيامه؛ صامه النبي r وصامه الصحابة، وصامه موسى قبل ذلك شكراً لله U؛ ولأنه يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى وبنو إسرائيل شكرًا لله U، ثم صامه النبي r شكرًا لله U وتأسيًا بنـبي الله موسى، وكان أهل الجاهلية يصومونه أيضًا، وأكَّده النبي r على الأمة، فلما فرض الله رمضان قال: "من شاء صامه ومن شاء تركه"[1]. وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن صيامه يكفِّر اللهُ به السنةَ التي قبله.
والأفضل أن يصام قبله يوم أو بعده يوم خلافاً لليهود؛ لما ورد عنه -عليه الصلاة والسـلام-: "صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده". رواه أحمد، وفي لفظ: "صوموا يومًا قبله ويومًا بعده". فإذا صام يومًا قبله أو بعده يومًا، أو صام اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده، أي صام ثلاثة أيام فكله طيب، وفيه مخالفة لأعداء الله اليهود.
أما تحري ليلة عاشوراء فهذا أمر ليس باللازم؛ لأنه نافلة ليس بالفريضة، فلا يلزم الدعوة إلى تحري الهلال؛ لأن المؤمن لو أخطأه فصام بعده يومًا وقبله يومًا لا يضره ذلك، وهو على أجر عظيم. ولهذا لا يجب الاعتناء بدخول الشهر من أجل ذلك؛ لأنه نافلة فقط[2].
* * *
2- هل يجوز أن أصوم عاشوراء فقط دون صيام يوم قبله (تاسوعاء) أو يوم بعده؟
الجواب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ"[3].
وفي تحفة المحتاج[4] لابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وعاشوراء لا بأس بإفراده".
وقد سئلت اللجنة الدائمة هذا السؤال فأجابت بما يلي :
"يجوز صيام يوم عاشوراء يومًا واحدًا فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السُنَّة الثابتة عن النبي r بقوله: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"[5]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر).
وبالله التوفيق[6].
* * *
3- كيف نعرف عاشوراء هذه السنة؟ نحن لا نعلم إلى الآن متى دخل الشهر؟ وهل ذو الحجة تسع وعشرون أم ثلاثون؟ فكيف نحدد عاشوراء ونصومه؟
الجواب: الحمد لله، إذا لم نعرف هل كان شهر ذي الحجة تامًّا (30 يومًا)، أو ناقصًا (29 يومًا) ولم يخبرنا أحد برؤية هلال محرم متى كانت، فإننا نجري على الأصل وهو إكمال عدة الشهر ثلاثين يومًا، فنعتبر ذي الحجة ثلاثين ثم نحسب عاشوراء بناء على ذلك.
وإذا أراد المسلم أن يحتاط لصيام عاشوراء بحيث يصيبه قطعًا فإنه يصوم يومين متتاليين فيحسب متى يكون عاشوراء إذا كان ذو الحجة تسعًا وعشرين يومًا، ومتى يكون عاشوراء إذا كان ذو الحجة ثلاثين يومًا ويصوم هذين اليومين، فيكون قد أصاب عاشوراء قطعًا، ويكون في هذه الحالة إما أنه صام تاسوعاء وعاشوراء، أو صام عاشوراء والحادي عشر، وكلاهما طيب. وإذا أراد الاحتياط لصيام تاسوعاء أيضًا فنقول له: صم اليومين اللذيْن سبق الحديث عنهما ويومًا آخر قبلهما مباشرة، فيكون إما أنه صام التاسع والعاشر والحادي عشر أو صام الثامن والتاسع والعاشر، وفي كلتا الحالتين يكون قد أصاب التاسع والعاشر بالتأكيد.
ومن قال: إن ظروف عملي وحالتي لا تسمح إلا بصيام يوم واحد، فما هو أفضل يوم أصومه؟ فنقول له: أكمل عدة ذي الحجة ثلاثين يومًا ثم احسب العاشر وصمه. هذا مضمون ما سمعته من شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- لما سألته عن هذا الأمر.
وإذا جاءنا خبر من مسلم ثقة بتعيين بداية محرم برؤيته لهلاله عملنا بخبره، وصيام شهر محرم عمومًا سنة؛ لقوله r: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم"[7].
والله أعلم[8].
* * *
4- قضاء يوم عاشوراء لمن فاته
السؤال: من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يُقضى من النوافل وما لا يقضي؟ جزاك الله خيرًا.
الجواب: النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له؛ فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يُقضى، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه ثم أراد أن يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد؛ لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية. ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخَّر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر، فلا شك أنه لا يقضي ولا ينتفع به لو قضاه؛ أي لا ينتفع به على أنه يوم عرفة ويوم عاشوراء.
وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضًا أنه لا يقضي؛ لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم[9].
* * *
5- هل يثبت أجر عاشوراء لمن نوى صيامه أثناء اليوم؟
السؤال: أعلم بفضيلة صيام يوم عاشوراء وأنه يكفِّر السنة التي قبله، ولكن لأن العمل عندنا جارٍ بالتقويم الميلادي لم أعلم بيوم عاشوراء إلا في صباحه، ولم أكن أكلت شيئًا فنويت الصيام، فهل صومي صحيح؟ وهل أحصَّل فضيلة هذا اليوم وتكفير السنة التي قبله؟
الجواب: الحمد لله على ما يسَّر لك من الحرص على النوافل والطاعات، ونسأله أن يثيبنا وإياك على ذلك.
أما ما سألت عنه من عقد نية الصيام من الليل فقد ثبت عن النبي r ما يدل على صحة نية صوم النافلة من النهار، ما دام الإنسان لم يتناول شيئا من المفطرات من بعد الفجر، فقد روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي r دخل ذات يوم على أهله فقال: "هل عندكم من شيء؟" (أي من الطعام)؟ قالوا: لا. قال: "فإني إذن صائم"[10]. وإذن ظرف للزمان الحاضر، فدلَّ ذلك على جواز إنشاء نية صيام النفل من النهار، بخلاف صيام الفرض؛ فإنه لا يصح إلا بتبييت النية من الليل لحديث "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"[11]. والمراد هنا صوم الفرض.
وعلى هذا فصيامك صحيح، أما حصول الأجر في الصيام فهل هو ثواب يوم كامل أو من وقت النية فقط؟ قال الشيخ العثيمين رحمه الله:
(في هذا قولان للعلماء: الأول: أنه يثاب من أول النهار؛ لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار.
الثاني: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط، فإذا نوى عند الزوال فأجره نصف يوم. وهذا هو القول الصحيح؛ لقول النبي r: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وهذا الرجل لم ينو إلا أثناء النهار، فيحسب له الأجر من حين نيته
وبناء على القول الراجح لو كان الصوم يطلق على اليوم مثل: صيام الاثنين وصيام الخميس وصيام الأيام البيض وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونوى في أثناء النهار فإنه لا يثبت له ثواب ذلك اليوم)[12].
وينسحب الحكم على من لم ينو صوم عاشوراء إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يحصِّل الأجر المترتب على صيام عاشوراء وهو تكفير سنة؛ نظرًا لأنه لا يصدق عليه أنه صام يوم عاشوراء وإنما صام بعضه من أول ما نوى.
لكن يثبت له عموم الأجر على الصيام في شهر الله المحرم وهو أفضل الصيام بعد رمضان (كما في صحيح مسلم 1163).
ولعل من أهم أسباب عدم معرفتك ومعرفة الكثيرين ليوم عاشوراء -ومثله الأيام البيض- إلا في أثناء اليوم؛ ما ذكرت من جريان العمل بالتقويم الميلادي، فلعل فوات مثل هذه الفضائل يكون باعثًا لك ولعامة من منَّ الله عليهم بالاستقامة للعمل بالتقويم الهجري القمري -الذي شرعه الله لعباده وارتضاه لدينه- ولو في نطاق أعمالهم الخاصة وتعاملهم بينهم؛ إحياءً لهذا التقويم وما يذكَّر به من مناسبات شرعية، ومخالفةً لأهل الكتاب الذين أُمرنا بمخالفتهم والتميُّز عنهم في شعائرهم وخصائصهم، لا سيما وأن هذا التوقيت القمري هو المعمول به حتى عند أمم الأنبياء السابقين، كما استُنبط هذا من حديث تعليل اليهود صومهم لعاشوراء -وهو يوم يعرف عن طريق الشهور القمرية- بأنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى فدل على عملهم به وليس بالشهور الإفرنجية الشمسية[13].
وعسى الله أن يجعل في فوات مثل هذا الأجر الخاص عنك وعمَّن هم مثلك في الحرص خيرًا، وذلك بما يقوم في القلب من الإحساس بفوات هذا الأجر فيدعو الإنسان للاجتهاد في العمل الصالح، مما يورث طاعات عديدة قد يكون أثرها على القلب أبلغ مما قد يحصل للإنسان من الطاعة المعينة التي قد يركن إليها بعض الناس، فتكون سببًا في تكاسلهم عن الطاعات، وقد تكون سببًا في عجبه بنفسه وامتنانه على الله بهذه الطاعة.
نسأل الله أن يرزقنا من فضله وأجره، وأن يعيننا على ذكره وشكره[14].
* * *
6- السؤال: هل يجوز صيام التطوع وعليَّ شيء من القضاء أم لا؟ لأني لم أجزم بتبييت النية من الليل، فقلت في نفسي: إن شاء الله سأصوم غير جازم ما بيني وبينه، وأخبرت بأنه لا بد من تبييت النية الجازمة لقضاء الفريضة، فهل يصح لي في هذه الحالة أن أجعلها تطوعًا وذلك لرغبتي الحالية بالصيام وعدم تفويته بما أني لم أجزم بتبييت النية للقضاء؟ وجزاكم الله خيرًا.
أجاب د. سليمان بن وائل التويجري عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى قائلاً:
صيام الواجب لا بد فيه من تبييت النية من الليل، بمعنى أن الإنسان يصوم ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس كاملاً بنية، ويكون قد نوى أن يصوم هذا اليوم جميعه من طلوع فجره إلى غروب شمسه، وأما صيام النفل فإن الإنسان إذا لم يتعاط شيئًا من المفطرات بعد طلوع الفجر، ونوى الصيام بعد ذلك صح منه وأجزأه.
وأما هل يجوز أن يتطوع الإنسان وعليه شيء من الفريضة، فنقول: نعم يجوز، فالإنسان إذا أراد أن يصوم مثلاً يومي الاثنين والخميس، أو أيام البيض وعليه صيام نذر أو كفارة أو قضاء من رمضان، فإن صيامه للنوافل قبل ذلك صحيح، ولكن الأولى للإنسان ألاَّ يقدم صيام النفل على الفرض. فالواجب المتعين على الإنسان أن يبدأ بما يجب عليه لتبرأ ذمته من الواجب ويخرج من العهدة، ثم بعد ذلك يتنفل بما شاء.
وأما صيام الست من شوال فإن الإنسان لا يحصل فضيلتها إلا إذا أتم صيام رمضان، فإذا كان الإنسان عليه قضاء شيء فلا يتنفل بصيام ست من شوال، وإنما يقضي رمضان أولاً ثم يتنفل؛ لأن النبي r قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر". رواه مسلم (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري إن كان الذي يريد أن يصوم الست من شوال وعليه قضاء من رمضان فلا يصدق عليه أنه صام رمضان، وبالله التوفيق. والله أعلم[15].
التعليقات
إرسال تعليقك