ملخص المقال
كل الفقهاء كانوا يعتمدون على الكتاب والسنة في فتاويهم وأصولهم، ولكن أحمد بن حنبل كان يتميز عن غيره بأنه شديد الارتباط بالأثر.
كل الفقهاء كانوا يعتمدون على الكتاب والسنة في فتاويهم وأصولهم، ولكن أحمد بن حنبل كان يتميز عن غيره بأنه شديد الارتباط بالأثر بحيث لا يعطي مساحة القياس إلا بشكل محدود تمامًا.
الإجابة من السنة بدليل مباشر:
- قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: مَا رَأَيْت مِثْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالُوا لَهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ بَانَ لَك مِنْ فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ عَلَى سَائِرِ مَنْ رَأَيْت؟ قَالَ: رَجُلٌ سُئِلَ عَنْ سِتِّينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَرَوَيْنَا».
- قال أحمد بن حنبل عن نفسه: ما أجبت في مسألة إلا بحديث عن رسول الله إذا وجدت في ذلك السبيل إليه، أو عن الصحابة أو عن التابعين فإذا وجدت عن رسول الله لم أعدل إلى غيره، فإذا لم أجد عنرسول الله فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله الأكابر فالأكابر من أصحاب رسول الله، فإذا لم أجد فعن التابعين، وعن تابعي التابعين.
- قال ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين: إنَّ الْمُخَالِفِينَ لِمَذْهَبِهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْمُقَلِّدِينَ لِغَيْرِهِ لَيُعَظِّمُونَ نُصُوصَهُ وَفَتَاوَاهُ، وَيَعْرِفُونَ لَهَا حَقَّهَا وَقُرْبَهَا مِنْ النُّصُوصِ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فَتَاوَاهُ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ رَأَى مُطَابَقَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَرَأَى الْجَمِيعَ كَأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى إنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ جَاءَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.
أصول الفقه عنده:
- الكتاب والسُّنَّة.
- فتوى الصحابي وهي مقدَّمة على الحديث المرسل.
- ويأخذ بفتوى التابعين؛ ولكن ليس على أنها أصل، ولكن على سبيل الاحتياط.
- يأخذ بالقياس عند الضرورة.. وقال: «لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنِ الْقِيَاسِ».
- ويفتي بالحديث الضعيف قبل القياس والرأي.
- وأخذ بالاستصحاب، والمصالح المرسلة، وسدّ الذرائع.
ينبثق من اهتمامه بالسُّنَّة أمور:
1. لا يتكلم حتى يُسأل: عَنِ أبي بكر المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: لَمْ أَرَ الفَقِيرَ فِي مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِم، مُقْصِرًا عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيْهِ حِلمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالعَجُولِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، وَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ العصرِ لِلْفُتْيَا، لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُسْأَلَ، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ، لَمْ يَتَصَدَّرْ.
2. يحدث قراءة: قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: أتيتُ أحمد بن حنبل في أول ما التقيت معه سنة ثلاث عشرة ومائتين فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب الأشربة وكتاب الإيمان فصلى ولم يسأله أحد فرده إلى بيته، وأتيته يوما آخر فإذا قد أخرج الكتابين فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك لأن كتاب الإيمان أصل الدين وكتاب الأشربة صرف الناس عن الشر فإن أصل كل شر من السُّكْر.
وهناك أقوال في إصراره على التحديث من كتاب: قال ابنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: «مَا رَأَيْتُ أَبِي حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ إِلَّا بِأَقَلِّ مِنْ مِائَةِ حَدِيثٍ». وقال علي بْنُ المَدِيْنِيُّ، قَالَ: أَمَرَنِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَاّ مِنْ كِتَابٍ. وقال أيضًا: «لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ كِتَابٍ وَلَنَا فِيهِ أُسْوَةٌ». وقال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: لَا تُحَدِّثِ الْمُسْنَدَ إِلا مِنْ كِتَابٍ.
3. تجنَّب الفقه التقديري والأسئلة الافتراضية: كمالك وأشد.
4. الإقلال من الكتب المؤلفة بالرأي، والإكثار من الكتب المعتمدة على النقل المباشر.
تأليف المسند:
بدأ أحمد بن حنبل في كتابته عام 180هـ، وكان عمره 16 سنة، قال عبد الله بن أحمد لأبيه: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت "المسند"؟ فقال: «عَمِلْتُ هَذَا الكِتَابَ إِمَامًا إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ رَجَعُوا إِلَيْهِ». وقال أحمد بن حنبل: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ r فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ، وَإِلَاّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وقد كتبه في أجزاء متفرقة، وقرأه على أولاده وطلبته، وجمعه ابنه عبد الله بن أحمد، حيث جمع فيه الصحيح والضعيف؛ لأنه يعتمد في فتواه على الحديث الضعيف إذا لم يوجد حديث صحيح، ومع ذلك فقد ترك الضعيف الذي يتعارض مع الصحيح؛ ولهذا جاء المسند في 30 ألف حديث، انتقاها من 750 ألف حديث وقد كان المسند غير مرتب على الأبواب وهذا يقلل الاستفادة منه[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك