التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان من سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإمساك قدر الإمكان بكبار الصحابة في المدينة، وعدم السماح لهم بالهجرة إلى البلادِ المفتوحة.
سياسة عمر رضي الله عنه في الإمساك بجلِّ الصحابة في المدينة:
كان مِنْ سياسةِ عمر رضي الله عنه الإمساكُ قدر الإمكان بكبارِ الصَّحابةِ في المدينة، وعدم السَّماحِ لهم بالهجرةِ إلى البلادِ المفتوحةِ، ويعتقد بعض الناس أنَّ في هذا تضييقًا على حريَّة الصحابة، ومنعًا لهم من الحركة للدعوة إلى الله، أو للاكتساب والمعاش، والأمر في الحقيقة يحتاج إلى تحليل.
لقد كان عمر رضي الله عنه يرى أَنَّ الفقهَ الإسلاميَّ يحتاج في هذه المرحلةِ التاريخيَّة إلى العلومِ الغزيرةِ التي عند كبار الصحابة، وإلى عقولِهم المتميِّزةِ القادرةِ على الاستنباط والتَّحليل، والبارعة في الاجتهاد والقياس، ولهذا كان يُفَكِّر كثيرًا قبل إرسال أيِّ صحابيٍّ إلى قُطْرٍ مِنَ الأقطارِ المفتوحةِ، مع علمِه أَنَّ هذه الأقطار تحتاج، وبشدَّة، إلى جهودِ علماءِ الصَّحابةِ، ولكنَّها كانت مسألة أولويَّاتٍ؛ فبناءُ الفقهِ الإسلاميِّ المتكامل عن طريق وجود عددٍ كبيرٍ مِنَ الفقهاءِ في المدينةِ سينفع الأمَّةَ كلَّها بعد ذلك، وعندما يكتمل هذا البناء يُمكن للصَّحابةِ أَنْ يتحرَّكوا إلى أيِّ مكانٍ كيفما شاءوا.
ظهر هذا في العددِ المحدودِ نسبيًّا مِنَ الصَّحابةِ -بالقياسِ إلى عهدِ عُثْمَانَ رضي الله عنه- الَّذين أرسلهم عُمَرُ رضي الله عنه إلى البلادِ المختلفةِ، كما ظهر في كلمات عُمَرَ رضي الله عنه المعبِّرة عن ألمِه لمغادرةِ هؤلاء العلماءِ للمدينة؛ فقد كتبَ إلى أهلِ الكوفةِ مثلًا عند إرسال عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لهم: «إِنِّي، وَاللَّهِ الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي، فَخُذُوا عَنْهُ»[1].
كان عُمَرُ رضي الله عنه يُقارِن بذلك بين فائدتين، ويعتبر أَنَّ صيانةَ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ باجتماع العلماء في المدينة على الفتوى في المسائل المختلفة سيُوفِّر حصيلةً علميَّةً كبيرة تنفع الأجيالَ القادمة، وهذا عمقٌ في النَّظر كبيرٌ. ومع ذلك، وعلى الرَّغم من هذه الرَّغبة، كان يضطرُّ إلى إرسال بعض الصَّحابة العلماء إلى هنا وهناك، وكان أحدُ أهدافه الكبرى مِنْ وراء هذا الإرسال بالإضافة إلى الجهاد تعليمَ النَّاسِ السُّنَّةَ النَّبويَّةَ.
سياسة عثمان رضي الله عنه في المسألة نفسها:
كان ما فعله عمر رضي الله عنه مهمًّا للغاية في المرحلة المبكِّرة مِنْ تاريخِ الدَّولةِ، أمَّا في عهد عُثْمَانَ رضي الله عنه فإنَّ معظمَ الصُّورة الفقهيَّة كان قد تكامل، وصارت الحوادثُ التي تحتاج إلى رأيٍ جديدٍ قليلةً، وبالتَّالي صارت مصلحةُ خروجِ الصَّحابةِ إلى البلادِ المختلفةِ لتعليمِ النَّاس الإسلامَ أعلى مِنْ مصلحةِ بقائهم في المدينةِ؛ لذلك سمح عُثْمَانُ رضي الله عنه بخروجِهم، وكان هذا سببًا مباشرًا في نشأة المدارس الحديثيَّة في الأمصار المختلفة، ونشوء أجيالٍ مِنَ التَّابعين مِنْ كلِّ بلدٍ، وتوسُّع دائرة العلم، وهذا كلُّه أدَّى إلى حفظ السُّنَّة بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث كان نَهَمُ التَّابعين لمعرفةِ حياةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن طريقِ سؤالِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم سببًا في إخراجِ كنوزِ السُّنَّة إلى العلنِ، وسارع التَّابعون بتسجيل كلِّ ذلك في صدورهم، وعلى أوراقهم، فحُفِظَت السُّنَّة حِفْظًا عظيمًا[2].
[1] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 6/89، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/992، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 33/143.
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك