التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
مع الأسف لم يمنع شرف القرشيين في النسب من تحريف ملَّة إبراهيم، بل والوصول إلى الإشراك الصريح بالله عز وجل، وعبادة الأصنام من دون الله![قريش وعبادة الأصنام](http://video.islamstory.com/images/upload/content/2127092360عبادة.png)
مع الأسف لم يمنع الشرف في النسب والتمكُّن في مكة بني قصي وعبد مناف، والقرشيين بشكل عام، من تحريف ملَّة إبراهيم، بل والوصول إلى الإشراك الصريح بالله عز وجل، وعبادة الأصنام من دون الله.
المتحمِّسون لتنقية التاريخ من أي شائبة أو اتِّهام للصالحين أو أقارب الصالحين يناقضون الواقع في الحقيقة، فالشرك كان طافحًا في مكة، وسواء كان القرشيون، أو الهاشميون، أو أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم، بداية من فهر تقريبًا، يعبدون الأصنام أم لا فإنهم كانوا يحكمون مكة، ويتصرَّفون في أمورها، وهي على هذه الحالة الشركية الكاملة.
ولمس الشرك عبد المطلب نفسه، على الرغم من الرؤيا التي رآها لحفر زمزم، وعلى الرغم من استجابة الله لدعائه في مواطن، وقد يُبَرَّر وضعه بأنه من أهل الفترة ولم تصله الرسالة، ولكن تبرير الأمر بأنه كان موحِّدًا يعتبر مبالغة لا تقرُّها الأحاديث الصحيحة.
روى البخاري عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ[1]: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ، حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ» فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ} [التوبة: 113]. وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56][2].
ترسيخ عبادة الأصنام، خاصَّةً أن العرب يتَّخذون قريشًا قدوة:
كان اتخاذ قريش قدوة نابعٌ من سدانتهم للكعبة، مما يعني اصطفاء الله لهم، ودليل ذلك اتِّخاذ العرب خزاعةَ قدوة، واتِّباعهم في عبادة الأصنام أيام عمرو بن لحي، لكون خزاعة ترعى البيت الحرام.
إدخال قصي لإساف ونائلة في عبادة الطواف:
حَوَّلَ قصيٌّ (إسافَ ونائلة) مِنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا بِلَصْقِ الْكَعْبَةِ، وَجَعَلَ الْآخَرَ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ. وَيُقَالُ: جَعَلَهُمَا جَمِيعًا فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، وَكَانَ يَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمُرُّونَ بِإِسَافٍ وَنَائِلَةَ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِمَا، وَكَانَ الطَّائِفُ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَبْدَأُ بِإِسَافٍ فَيَسْتَلِمُهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ خَتَمَ بِنَائِلَةَ فَاسْتَلَمَهَا"[3].
روى البخاري عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ، كَانَتْ: لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ، الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158].
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا»، ثُمَّ أَخْبَرْتُ[4] أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ[5] فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَذْكُرُونَ: أَنَّ النَّاسَ، - إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ فِي القُرْآنِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلاَمِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ»[6].
وقد كان الأنصار في الجاهلية إذن يتحرَّجون من الطواف بالصفا والمروة إذا طافوا بمناة تعظيمًا لمناة وكان كفَّار آخرون يطوفون بالصفا والمروة تعظيمًا لإساف ونائلة.
صارت كلُّ قبيلة تضع لها صنمًا عند الكعبة:
سمح بنو قصي للقبائل أن تضع أصنامها الخاصَّة عند الكعبة! عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: «جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ»[7].
وقد كان لكل عائلة صنمٌ في بيتها: غالبًا من الحجر، وأحيانًا من الخشب، وكانوا يعظِّمون الحجارة بشكل عام، فإن لم يكن معهم صنمهم تخيَّروا حجرًا فعبدوه، فإن لم يجدوا حجرًا صنعوه من التراب! روى البخاري عن أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ، قال: "كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ.."[8]!
وكانت أسماء الأولاد في قريش منسوبة للأصنام: فقد سمَّى قصي: عبد العزى، وعبد مناف (صنم) (وأيضًا عبد الدار، وعبد قصي)، وسمَّى عبد مناف: عبد شمس (اسم صنم)، وسمَّى عبد المطَّلب: عبد العزى (أبا لهب)، وسمَّى عبد مناف (أبا طالب)، وسمَّى عبد الكعبة لو صحَّ ولدٌ له بهذا الاسم.
وبتقدير الله نجا أبو الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الشركيات فسُمِّي عبد الله، وسمَّى الحارث بن عبد المطلب: عبد شمس وغيَّره الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله[9].
[1] عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي، وهو أخو أمِّ سلمة أم المؤمنين، وقد أسلم في عام الفتح، واستشهد بحنين!
[2] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قصة أبي طالب (3671).
[3] الأزرقي: أخبار مكة، 1/ 189، 190، وقال دهيش: إسناده حسن.
[4] أي الزهري
[5] بن الحارث بن هشام حفيد الحارث بن هشام أخي أبي جهل، وهو من كبار التابعين، ومن الفقهاء السبعة.
[6] البخاري: كتاب الحج، باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله (1561).
[7] البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه و سلم الراية يوم الفتح (4036).
[8] البخاري: كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (4117).
[9] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: قريش وعبادة الأصنام
التعليقات
إرسال تعليقك