التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قصي بن كلاب هو الجدُّ الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الأفراد المميَّزين في أجداده، وهو أول البارزين سياسيًّا فيهم.
قصي بن كلاب هو الجدُّ الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الأفراد المميَّزين في أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أول البارزين سياسيًّا فيهم، يمكن أن تكون فترة حياته قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة عام تقريبًا، يقولون إنه كان في الفترة من 400 إلى 480 ميلادية، وقد كان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عام 571 ميلادية.
قصي بن كلاب: أبوه كلاب بن مرة، وأمه فاطمة بنت سعد من أزد شنوءة، توفي أبوه وهو صغير، وسُمِّي زيدًا، وتزوجت أمه بعد وفاته ربيعة بن حرام من بني عذرة، وهي من قضاعة، شمال الجزيرة العربية[1]، ورحلت أمه مع زوجها، وأخذت زيدًا معها، وتركت أخاه الأكبر زهرة بمكة، فعُرِف زيدٌ بقصي، لأنه كان قصيًّا عن مكة.
كبر زهرة بن كلاب بمكة، وصار أصل قبيلة بني زهرة القرشية الشهيرة، ومنهم أمُّ الرسول صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، وزهرة[2] جدُّها الثاني، ولذا فإن بني زهرة هم أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَمِّيه خاله: روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ»[3].
الصراع في مكة مع خزاعة على سدانة الكعبة:
عُيِّر قصي بن كلاب مرَّة في قضاعة بأنه غريب، فاشتكى لأمه، فأخبرته أنه فعلًا غريب عن قضاعة، ولكن نسبه أشرف من نسبهم، فقرَّر العودة إلى مكة، وفي مكة تعرَّف على حُلَيْل بن حُبْشِيَّة الخزاعي، وكان يلي أمر الكعبة، ويتزعَّم مكة، فزوَّجه حليل من ابنته "حُبِّي"، وبعدها مات حليل، وقيل أعطى الولاية قبل موته لقصي زوج ابنته، ومع ذلك ولي أمر مكة ابنُ حليل أبو غَبْشَان، وكان قليل العقل، ووجد قصي أنه أولى من خزاعة بولاية البيت، فتحايل حتى اشترى الزعامة من أبي غَبْشَان بثمن زهيد، وقيل بزق خمر[4]، ولذا اعتُبرت هذه أفشل صفقة لرجل، وقال العرب: "أخسر صفقة من أبي غبشان"، فذهب القول مثلًا، وقيل إن حليل لم يجعل الولاية بعده لأبي غبشان إنما جعلها لابنته حبِّي، التي أعطتها لزوجها قصي، أيًّا كان الأمر وصلت الزعامة لقصي، ولم يُعجب هذا خزاعة، ودارت حرب، واستنصر فيها قصي بقضاعة، وهم أقارب زوج أمه، وعائلة أخيه من أمه رزاح بن ربيعة بن حرام، فنصروه، وتمكَّن قصي من الأمر، وصار سيد مكة.
تجميع قريش:
بعد هذا الصعود إلى هذه المكانة المرموقة انشغل قصي بتجميع أفراد قبيلة فهر، أو قريش، ومكَّنهم في مكة، وَقَالَ حُذَافَةُ[5] بْنُ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ لأَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا ... بِهِ جَمَّعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ[6].
تنظيم مكة:
يعتبر قصي هو الذي وضع نظامًا خاصًّا لأهل مكة، وهو الذي سنَّ لهم القوانين، وكانت كلماته وأفعاله تعتبر دينًا للناس، وهو الذي جعل مكة موطنًا لقريش تحديدًا، ومَنْ عاش فيها من غير قريش عاش لصيقًا، أو تابعًا لفرع من فروع القبيلة، وهو الذي أعطى مكة شكلًا خاصًّا، وتدخَّل في أمور كثيرة شملت العبادات والعقائد.
جمع قصي أفراد قبيلة قريش من الجبال والأودية المحيطة بمكة، وقسَّم مكة بين قومه، وأمرهم أن يبنوا مساكن لهم في مناطقهم، ومنع بعضهم من دخول مكة فعُرفوا بقريش الظواهر، وهم معظم فروع الحارث بن فهر، ومحارب بن فهر، وتيم الأدرم، وعُرِفَت بقية قريش التي سمح لها قصي بالسكنى في مكة بقريش الأبطح أو البطاح.
أول من قطع أشجار الحرم للحاجة:
تحرَّج القرشيون من قطع أشجار الحرم للبناء، فقطعها قصي لهم بيده، ولما لم يحدث له شيء تيمَّنوا به، وصاروا يعتبرون تدخُّله في أي شيء يعود بالبركة على الناس، فكان لا يُعْقَد نكاح إلا في داره، ولا يُتشاور في أمر إلا في داره كذلك.
دار الندوة:
اتَّخذ قصي بن كلاب لنفسه دار الندوة، وكانت قريش لا تقضي أمرًا إلا فيها، وجعل بابها للكعبة، وكان يحضر بدار الندوة ممثِّلون عن كل فروع قريش، فكأنه هو الذي أسس نظام الحكم لهذه القبيلة الشريفة، يقال أيضًا إن قصيًّا هو أول من دفع قريشًا للتجارة الخارجية مع الشام واليمن، والأصوب أن ذلك في زمن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وليس في زمن قصي نفسه[7].
[1] مختلف في أمر قبيلة قضاعة، هل هي عدنانية أم حميرية قحطانية؟
[2] آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.
[3] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، واسم أبي وقاص: مالك بن وهيب (3752).
[4] وعاء جلدي لحفظ الخمر
[5] (حذافة بن غانم هذا هو والد خارجة بن حذافة الذي قتله الخارجي خطأ بدلًا من عمرو بن العاص رضي الله عنه)
[6] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 1/ 59، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 3/ 59.
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: قصي بن كلاب وحكم مكة
التعليقات
إرسال تعليقك