التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
دارت الحرب بين خزاعة وجرهم على سيادة البيت الحرام، وانتهى الأمر بانتصار خزاعة، ومن ثَّم تولَّت خزاعة الكعبة 300 سنة أو أقل.
بعد عهد إسماعيل عليه السلام تولَّى أمر الكعبة قبيلة جرهم اليمنية، وتخلّل عهد الجراهمة فترة قصيرة حكم فيها العماليق، وفي أثنائها بنوا الكعبة، ثم عاد الجراهمة للحكم، وفي أثناء عهدهم ظهر عدنان من أحفاد إسماعيل، ولا يُعْرَف عدد الأجيال بينه وإسماعيل، وكان عدنان مؤمنًا موحِّدًا، وكذا كانت جرهم، غير أن جرهم أفسدوا بالفواحش والمعاصي مع مرور الوقت.
عهد عدنان
تقريبًا كان عدنان قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي 600 إلى 700 سنة، وأحد أبنائه معد، وحفيده نزار، الذي أنجب ولدين جاءت منها معظم القبائل العربية، وهما مضر، وربيعة، ومن المفترض أنهم كانوا كلهم في مكة وحولها في وقت ما.
لكن قبيلة مضر هي الأكبر والأهمُّ، ومن أشهر قبائل مضر: قريش، وهوازن، وغطفان، وتميم، وعدي، واحتمال خزاعة، أما أشهر قبائل ربيعة: عبد القيس، وبكر، وتغلب، وحنيفة.
ولم تتسع مكة وما جاورها لعرب الشمال (أولاد عدنان)، فبدأوا يهاجرون يبحثون عن مساقط الماء، ومنابت العشب، فنزل عبد القيس البحرين، ونزل بنو حنيفة اليمامة، ونزل بنو هوازن بنواحي أوطاس، وهكذا تفرقت القبائل في ربوع الجزيرة، وظلَّت قريش في مكة، وفي الجبال التي حولها، بعض المؤرخين يجعلون كلًّا من القحطانيين والعدنانيين من ولد إسماعيل عليه السلام.
سيطرة خزاعة على مكة ورعاية البيت الحرام:
يختلف المؤرخون في أصل خزاعة: وعلى قول بعض المؤرخين أنَّ مضر هو ابن حفيد عدنان، ولمضر ولدان رئيسان: إلياس، وقيس عيلان، ويتفرَّع من كلٍّ منهما قبائل عدة، ولإلياس ثلاثة أولاد؛ هم مدركة: ومنها قريش، وطابخة: ومنها وأهمها تميم، وقمعة: ومنها خزاعة.
قد يبدو هذا تعارضًا مع ما جاء في البخاري عَنْ أَبِي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ»[1].
ولكن يذهب البعض إلى أن خندف هذه امرأة، وهي زوجة إلياس: يقول ابن حجر: خِنْدَف بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ بَعْدَهَا فَاءٌ اسْمُ امْرَأَةِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَاسْمُهَا لَيْلَى بِنْتُ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ لُقِّبَتْ بِخِنْدَفَ لِمِشْيَتِهَا وَالْخَنْدَفَةُ الْهَرْوَلَةُ وَاشْتُهِرَ بَنُوهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا دُونَ أَبِيهِمْ لِأَنَّ إِلْيَاسَ لَمَّا مَاتَ حَزِنَتْ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا بِحَيْثُ هَجَرَتْ أَهْلَهَا وَدَارَهَا وَسَاحَتْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ فَكَانَ مَنْ رَأَى أَوْلَادَهَا الصِّغَارَ يَقُولُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيُقَالُ بَنُو خِنْدَفَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا ضَيَّعَتْهُمْ[2].
وفي البخاري عن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا..»[3].
في رأي ابن حزم وابن خلدون: أسلم بن أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر، وقبيلة أسلم أخوة خزاعة وبذلك (يكون عمرو بن لحي ابن عمِّ أفصى والد أسلم)، والبعض يجعل قبيلة أسلم من اليمن، وهذا بعيد للنصِّ النبوي، ومن الصعب تأويل أن اليمنيين من نسل إسماعيل، وبعض علماء النسب يقول: خزاعة قحطانيون من اليمن أتوا إلى مكة بعد انهيار سدِّ مأرب، والبعض جمع بين القولين؛ فقال إن قمعة هو ولد إلياس، ولما وُلِد بلا أب تبناه زعيم جرهم حارثة بن عمرو، فهو مضري بالميلاد، ويمني بالتبني.
وقد دارت الحرب بين خزاعة وجرهم على سيادة البيت، وانتهى الأمر بانتصار خزاعة، ويمكن أن تكون هذه الحرب قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي 300 سنة، يعني تقريبًا من 250 إلى 300 ميلادية، وقد قام سيد جرهم بدفن بعض كنوز الكعبة، وأمور أخرى في بئر زمزم[4]، ثم طمر البئر، وغادر إلى اليمن.
يمكن أن تكون هذه الحرب، وبداية السيطرة لخزاعة، في عهد فهر بن مالك بن النضر، وهو قريش في أحد القولين، ولم يكن لقريش في هذا التوقيت منافسة على رعاية البيت على الرغم من أنهم أحفاد إسماعيل، ولو كانت خزاعة من أولاد إسماعيل فوضعهم في هذه الفترة مشابه لوضع قريش[5]، ولكنهم أقوى، وقد تولَّت خزاعة الكعبة 300 سنة أو أقل، والله أعلم[6].
[1] البخاري: كتاب المناقب، باب قصة خزاعة (3332).
[2] ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، 6/ 548.
[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب التحريض على الرمي (2743)
[4] ليس زمزم هو البئر الوحيد في مكة، ولكنه أقربها للكعبة، وللموطن الذي يسكن فيه الناس آنذاك.
[5] جدهم السادس إلياس بن مضر.
[6] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: الكعبة في عهد خزاعة
التعليقات
إرسال تعليقك