التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ. فَقَالَ: «أَذِّنِ فِي النَّاسَ بِالْحَجِّ».
أُمِر إبراهيم بالأذان في الناس بالحجِّ:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]، وعند الحاكم عَنِ ابْنِ عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: رَبِّ قَدْ فَرَغْتُ. فَقَالَ: «أَذِّنِ فِي النَّاسَ بِالْحَجِّ». قَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: «أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ». قَالَ: رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: "قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ، حَجُّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ»، وقال الذهبي صحيح، ورواه آخرون كذلك[1].
روى الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ حَجَرٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ أَكَمَةٍ، أَوْ تُرَابٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"[2].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْحَجِّ، فَقَامَ عَلَى الْمَنَارِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، وَأَجِيبُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَأَجَابُوهُ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ: أَجَبْنَاكَ أَجَبْنَاكَ، لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ: "فَكُلُّ مَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَدْرِ مَا لَبَّى"[3].
حجُّ الأنبياء إلى الكعبة بعد إبراهيم:
وعن مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: «أَيُّ وَادٍ هَذَا؟» فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ[4] إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ»، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى[5]، فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟» قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ[6] عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ[7] وَهُوَ يُلَبِّي»، قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ هُشَيْمٌ: يَعْنِي لِيفًا[8].
وروى الطبراني وهو حسن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ[9] سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قَطَوانيَّتان[10]، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءَةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفِيرَتَانِ»"[11].
وروى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ.."[12].
أما حجُّ النبي صلى الله عليه وسلم فهو معروف، وسيستمرُّ ذلك إلى زمن عيسى عليه السلام:
مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ[13]، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا»[14].
إذن أُمِر الأنبياء بعد إبراهيم بحجِّ البيت، وكلهم باستثناء إسماعيل ومحمد، كانت قبلتهم إلى بيت المقدس، ومع ذلك حجُّوا البيت الحرام بمكة، ويقول عروة بن الزبير في سيرة ابن إسحاق: ".. ثُمَّ بَوَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْرَاهِيمَ، فَحَجَّهُ، وَعَلَّمَ مَنَاسِكَهُ، وَدَعَا إِلَى زِيَارَتِهِ، ثُمَّ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا حَجَّهُ"[15].
ثم ألقى الله عز وجل حبَّه في قلب العرب:
من الطبيعي أن يرعاه إسماعيل عليه السلام في حياته، ولكن حتى بعد وفاة إسماعيل تولَّى رعاية البيت ابنه نابت على الأغلب، ثم جرهم العربية، وألقى الله حبَّ البيت في قلوب العرب جميعًا في شتى أنحاء الجزيرة، فكلهم يعظِّمه.
وهذا يتوافق مع ما ذكرناه من أنه بعد الطوفان ورفع البيت، كان الناس يعرفون مكان البيت على ربوة حمراء فيجيئون إليه ويدعون عنده، ويعظمونه، وليس هذا فقط، بل ألقى الله حبَّه في قلوب المؤمنين، وهم ليسوا جميعًا من العرب، بل العرب أقلهم الآن: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، وذكر الأفئدة لجعل الناس تأتي إلى المكان بحبٍّ وشوق لا لمجرد التكليف، وتهوي كناية عن الإسراع في المشي، وفيها فيما أرى الدفع دون إرادة، وهذا يدلُّ على زرع المحبة في القلوب دون أن يفتعلها أحد[16].
[1] مصنف ابن أبي شيبة (31818) 6/ 329. وقال ابن حجر: إسناده قوي. انظر: فتح الباري 3/ 409. ".. وهذا أخرجه عبد بن حميد وبن جرير وبن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن بن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن بن عباس [وذكر الحديث]".
[2] الحاكم في المستدرك (4026)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.
[3] الفاكهي: أخبار مكة، 1/ 446، وصحَّح إسناده ابن حجر:
[4] الجؤار: رفع الصوت.
[5] هرشي: جبل قرب الجحفة.
[6] ناقة حمراء جعدة: أي مكتنزة اللحم.
[7] خطام ناقته خلبة: الخطام هو الحبل الذي يقاد به البعير يجعل على خطمه وخلبة بإسكان اللام وضمها هو الليف.
[8] مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات (166).
[9] وسمي الخَيْف نسبة إلى خيف بني كنانة في سفح جبل منى الجنوبي بالقرب من الجمرة الصغرى، والخيف لغة هو ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، وصلَّى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان موضع صلاته معروفًا، لكنه لم يعد كذلك بعد التوسعة وهدم القبة.
[10] (قَطَوان) بفتح القاف والطاء المهملة جميعاً: موضع بالكوفة إليه تُنسب العُبيُّ والأكسية.
[11] الطبراني: المعجم الأوسط، (5407) 5/312. وقال: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ. وقال الألباني: إسناده حسن. انظر: الألباني: صحيح الترغيب والترهيب، 2/19.
[12] شَنُوءَةَ.."، وهي قبيلة يمنية من الأزد، والأزد هم أصول الأوس والخزرج أيضًا.
[13] مكان على بعد ثلاثين ميلا من المدينة.
[14] مسلم: كتاب الحج، باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه (1252).
[15] أخبار مكة للأزرقي (1/ 72)
[16] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أذان إبراهيم عليه الصلاة والسلام وحجُّ الأنبياء للكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك