الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
تعاقب المحتلون على مصر منذ أكثر من ألف عام قبل الفتح الإسلامي، وكان أخرهم الدولة الرومانية الوثنية والتي كانت تضطهد المصريين الذين يعتنقون النصرانية.
تعاقب المحتلون على مصر منذ أكثر من ألف عام قبل الفتح الإسلامي، حيث بدأ الأمر بالاحتلال الفارسي بقيادة قمبيز الثاني عام 525 قبل الميلاد، وأعقبه احتلال البطالمة المقدونيين على يد بطليموس الأول بدايةً من عام 305 قبل الميلاد، وأخيرًا الاحتلال الروماني على يد أوكتافيوس عام 30 قبل الميلاد، الذي استمرَّ دون انقطاعٍ إلى الفتح الإسلامي عام 640 ميلادية[1].
وقد كان المصريون يعتنقون النصرانية منذ القرن الأول الميلادي وذلك على يد القديس مرقس الإنجيلي[2]، وتبع ذلك اضطهاد كبير من الدولة الرومانية التي كانت وثنية في هذه الآونة، وزاد الاضطهاد بشدة في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي تولى العرش في عام 284 ميلادية[3]، ويسمي النصارى المصريون عهده بعهد الشهداء، ويتَّخذونه بدايةً للتقويم القبطي[4]، وفي هذا العهد هُدِمت الكنائس، وطورد القساوسة، وصودرت أموال النصارى وأملاكهم، وأُحرقت الكتب المقدَّسة، وقُتِلت أعدادٌ غفيرةٌ من المصريِّين[5].
هدأت الأوضاع نسبيًّا عندما تولَّى عرش الإمبراطوريَّة الرومانيَّة قسطنطين الأول في عام 306م، الذي اعتنق النصرانية في عام 312 على الأغلب[6]، ثم أعلن تغيير سياسة الدولة إلى التسامح مع النصرانية في عام 313 ميلادية إثر مرسوم ميلانو[7].
توقَّع أهل مصر أن ينقطع الاضطهاد الديني كلية، لكن هذا لم يحدث؛ إذ اعتنق الرومان مذهبًا مخالفًا لمذهب المصريين، وكان من نتيجة ذلك استمرار الاضطهاد لقهر المصريين على قبول مذهب الرومان، اعتقد الرومان بعقيدة الملكانية؛ والتي تقضي بازدواجية طبيعة المسيح عليه السلام، بينما اعتقد المصريون بعقيدة المنوفيسية اليعقوبية، وهي تقضي بطبيعة إلهية واحدة للمسيح عليه السلام[8].
شهدت الفترة التي سبقت الفتح الإسلامي -وهذا من ترتيب ربِّ العالمين للمسلمين- تصعيدًا في الاضطهاد الديني للمصريين؛ ذلك أنَّ هرقل بعد انتصاره على الفرس قرَّر توحيد المذاهب النصرانية كلها في مذهبٍ واحدٍ يقر بألوهية عيسى عليه السلام وبشريته في آنٍ واحد، واختار بطريركًا رومانيًّا لفرض هذا المذهب على المصريين بالقوة، وهو البطريرك قيرس، ثم ولاه على مصر كلها عام 631 ميلادية، فصار المقوقس قيرس (سيروس)، وبذلك جمع السلطتين الدينية والسياسية له.
كان كبير أساقفة مصر في ذلك الوقت يدعى بنيامين، فاضطر إلى الهرب في الصحراء للنجاة من بطش المقوقس[9]، ولجأ الرومان لسياسة البطش القاسية لترويض المصريين على قبول المذهب الملكاني الروماني، ولم يتغير هذا النهج العنيف إلا بالفتح الإسلامي الرشيد.
[1] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 2/184، 8/60، 61، 14/46.
[2] إ. س. سفينسيسكايا: المسيحيون الأوائل والإمبراطورية الرومانية: خفايا القرون، ص96، وأسد رستم: الروم في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب، ص34.
[3] ستيفن رنسيمان: الحضارة البيزنطية، ص14.
[4] كاميللو باللين: تاريخ الكنيسة من فجر المسيحية إلى نهاية القرن الخامس عشر، ص148، وليلى عبد الجواد إسماعيل: تاريخ مصر وحضارتها في الحقبة البيزنطية-القبطية، ص50.
[5] ميشيل يستيم، إغناطيوس ديك: تاريخ الكنيسة الشرقية وأهم أحداث الكنيسة الغربية، ص72، 73.
[6] وِل ديورَانت: قصة الحضارة، 11/382-384.
[7] ستيفن رنسيمان: الحضارة البيزنطية، ص20.
[8] نورمان بينز: الإمبراطورية البيزنطية، ص104، 105.
[9] ساويرس بن المقفع: تاريخ مصر من بدايات القرن الأول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع، 1/569-574.
التعليقات
إرسال تعليقك