الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يتناول المقال تاريخ الفن المغربي الإسلامي وتطوره منذ عهد الأدارسة بفاس مرورا بمظاهره في عهد المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين
في عهد الأدراسة
لعل أول بوتقة انصهرت فيها مع الأيام مظاهر الفن المعماري الشرقي المغربي هي مدينة فاس التي أقامها المولى إدريس عام 192هـ بالموضع المعروف بجراوة، وقد أحاط عدوة الأندلس بسـور فتح في جوانبه عدة أبواب، وجهز المدينـة بجامع للخطبـة وهو جامع الأشياخ.
في عهد المرابطين
وقد اتجه المرابطون خاصة نحو هندسـة المساجد التي لم يعد يخلو منها ربض ولا زقاق لا سيمـا في فاس، كما اهتموا ببناء القلاع على غـرار الحصون الأصليـة مع الاقتباس في آن واحد من الأندلس، وأول ما تجلى هـذا الاقتباس في فاس حيث استقـدم يوسف بن تاشفين من قرطبة جملة من صناع طوروا مساجـد المدينة وسقاياتهـا وحماماتها وخاناتها، كما استقدم علي بن يوسف بن تاشفين المهندسين الأندلسيين لبنـاء قنطرة (تانسيفت).
في عهد الموحدين
ثم جـاء الموحدون فاستطاعوا بفضل ما أبدعوه من روائع تبوؤ المقـام السامي في تاريخ الفن الإسلامي، لا سيمـا في عهد يوسف الذي عاش في إشبيلية حيث زينها بأروع البنايات والمؤسسات العمومية ثم جـاء ولده يعقوب المنصور، فكـان أبدع بناء في تاريخ المغرب الفني، وقد تجلت هـذه البدائع خاصة في إشبيلية والربـاط ومراكش ومناراتها (خيرالدا وحسان والكتيبة) وأصبحت مراكش ببناياتها وقصورها وحدائقهـا أشبه ببغداد في الشرق، كما أشبهت مدينة فاس دمشق في روائها الفني وطبيعتهـا الخلابة.
في عهد المرينيين
وقد خلف بنو مرين الموحدين في الربوع الإفريقية، فكـان للفن المريني ميسم خـاص إذا قورن بالفـن عند (بني عبد الواد) في تلمسان، و الحفصييين في تونس، في حين واصل بنو نصر في غرناطة تقاليـد الفن الأندلسي.
غير أن الطابع العام لم يتغير وكذلك الاتجاه الفني الذي انصرف عنه بنـو الأحمر إلى زخرفة القصـور في حين تجلى عند المرينيين في إقامـة المدن المحصنة والمساجـد والمدارس.
وقد لاحـظ ابن مرزوق في مسنده أن إنشاء المدارس كان في المغرب غير معروف حتى أنشئت (مدرسة الحلفائيين) بمدينة فاس (مدرسة الصفارين) عـام 760هـ، ثم (مدرسة العاطرين) و(مدرسة البيضاء) ثم (مدرسة الصهريج)، ثم (مدرسة الوادي)، ثم (مدرسة مصباح). ثم أنشأ أبو الحسن في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى وبلاد المغرب الأوسط مدرسة، فقامت عند ذلك مـدارس لإيواء الطلبة في تازة، ومكناس، وسلا، وطنجة وسبتة، وانفا وأزمور، وآسفي وأغمات ومراكش والقصر الكبير والعباد (تلمسان) والجزائر، وقد أقام بنو مرين كذلك "من آسفي إلى جـزائر بني مزغانة وأول إفريقية محارس ومناظـر إذا ظهرت النيران في أعلاهـا تتصل المراسلات بينها في الليلـة الواحدة أو في بعض ليلة".
ولكن ما هي ميزات الفن المريني؟
إن الجامع الكبير في تازة وكذلك مسجـد أبي يعقوب المريني في وجدة يحتفظان أحيانـا بتلك الفخامـة التي يتسم بها الفن الموحدي، ولكنهما يضيفان رقة الأشكـال وتشعب الرسوم وتداخـل التسطيرات والتوريقات والمقربصات والزليجـات، ويلاحظ في المدرسة العنانية بفاس تشابه واضح في الهندسة والترخيم مع مدارس الشرق.
وهذه المدرسة هي مدرسـة ومسجد في آن واحد مجهزة بمنارة ومنبر للجمعـة ذات ثلاث عشرة مع الطوس (شعار كل ساعة فيها أن تسقط ضجة في طاس وتفتح طاقات).
ومن خواص الفن المريني النقش على الخشب والأدهان البديعـة والشماسيات الملونة والنحاس المموه وترصيع المنارات بالزليج.
في عهد السعديين
أما في عهد السعديين الذي بدأ الفن المعمـاري يتحجر فيه نسبيا، فإنه يمتاز (بقصر البديع) الذي وصفه (الأفراني) بأنه يفوق قصور بغداد روعـة وجمالا. ورغم هـذا التحجر لا يمكن أن يعتبر هذا الفـن سوى امتداد للفن المغربي الأندلسي مع مميزات جديدة، حيث أن المنصور الذهبي استقـدم الصناع والمهندسين من مختلف البلاد وحتـى من أوربا.
ومن المآثر السعديـة الباقية بعض مساجـد مراكش (المواسين، والقصبة، وباب دكالة) وقبـور السعديين الرائعـة، وجناحان في جامع القرويين.
في عهد العلويين
وقد كفل العلويون امتداد هذه التقاليـد الفنية، فجهز مولاي رشيـد مدينة فاس بالحصون على غرار بني مرين وأقام مدرسة الشراطيـن. أما هندسة المساجد، فقد كانت مزيجًا من هندسة الدول السالفة.
__________________
المصدر: مجلة دعوة الحق المغربية، العدد 232، صفر 1404هـ / نوفمبر 1983م.
التعليقات
إرسال تعليقك