د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
متى سيخرج الأمريكان من العراق مقال للدكتور راغب السرجاني، يؤكد فيه أن خروج الاحتلال الأمريكي من العراق يتوقف على صفات المقاومة الصحيحة، فما هي؟ وما حال
إنه لمن الأسئلة المحيِّرة حقًّا: متى سيخرج الأمريكان من العراق؟!
والدليل على أنه محير ما قمنا به من استبيان على موقعنا بخصوص هذا الأمر، وتوزعت إجابات المتابعين للموقع بشكل يكاد يكون متساويًا بين الاختيارات الثلاثة، فكانت نسبة من رأى أن خروج الأمريكان قريبٌ جدًّا 34%، ونسبة من يرى أن الأمريكان سيخرجون بعد عدَّة سنوات 37.6% ، بينما كانت نسبة من يرى أن الأمريكان سيمكثون في أرض العراق عشرات السنين 28.4%.
وبدايةً فإنَّ احتلال الجيوش مصيره دومًا إلى الخروج؛ فهذه حقيقة ثابتة أكَّدتها مراحل التاريخ المختلفة، سواء التاريخ الإسلامي أو غير الإسلامي؛ فإن الجيوش عادةً ما تأتي لتستنزف ثروات البلد المحتل، وتظل مسيطرة على الأمور حتى يحدث أحد أمرين: إمَّا أن تنتهي ثروات البلد أو موارده فيصبح وجود الجيوش كُلْفَةً غير منطقية، وإمَّا أن تحدث مقاومة مرهقة للجيوش المحتلة تجعله يخرج رغم أنفه ودون إرادته.
وعند النظر إلى وضع العراق فإننا نرى بلدًا كبيرًا صاحب إمكانيات اقتصادية هائلة، يأتي في مقدمتها كميات ضخمة من البترول تشكِّل ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، هذه الكميات لن تنضب إلا بعد عشرات السنين فيما نقِّدره نحن بحساباتنا البشرية، وهذا يعني أن الأمريكان لن "يرغبوا" أبدًا في الخروج، فلن يبقى إلا الأمر الآخر وهو أن "يُرغَموا على الخروج"، وهذا ليس أمرًا يسيرًا؛ لأننا نعرف إمكانيات أمريكا وقدراتها، ولكنه في نفس الوقت ليس أمرًا مستحيلاً غير قابل للحدوث؛ فالتاريخ يؤكِّد على خروج القوات المماثلة لأمريكا، بل والأعتى منها من البلاد المحتلة، سواء طال الزمان أو قصر.
إذن لكي تستطيع أن تجيب على سؤال: متى سيخرج الأمريكان من العراق؟ لا بد أن تنظر أولاً إلى عملية المقاومة العراقية وآلياتها، فإن كانت في أعلى درجات الجودة؛ فخروج الأمريكان قريب جدًّا، وإن كانت تسير في اتجاه صحيح ولكن ببطء نسبي؛ فالخروج سيكون بعد عدة سنوات، وأمَّا إن كانت تسير في طريق خاطئ فسيبقى الأمريكان عشرات السنين، ولن يخرجوا إلا عندما يأتي جيل من الصالحين المصلحين المخلصين الذين يتحركون بسرعة في الطريق الصحيح؛ فيحدث الخروج المنشود المحتمل في وقت قصير.
وعليه فإننا يجب أن نعرف صفات المقاومة الصحيحة ومقوماتها؛ لكي نحكم على المقاومة العراقية، وبالتالي نقدِّر المدة التي سيبقى فيها الأمريكان في البلد.
والمقاومة الصحيحة في المنظور الإسلامي تتفق في أمور مع أي مقاومة شرعية في العالم، ولكنها تختلف كذلك في أمور أخرى. وعلى العموم فإن المقاومة التي ننشدها هي المقاومة التي تقاتل في سبيل الله، وليس من أهدافها مُلْكٌ ولا سلطان، ولا ثروة ولا مال، بل لا تبحث إلا عن رضا الله عز وجل، وتتخذ سبيل المقاومة كأحد السبل الرئيسية للجَنَّة، وليس عندها لَبْسٌ لا من قريب ولا من بعيد بخصوص هذا الشأن، ثم إنها في نفس الوقت مقاومة متحدة غير متفرقة، تجمع كل جهودها في اتجاه واحد، ولها زعامة واحدة، وأهداف واحدة، ومناهج واحدة، والجميع فيها يعمل على قلب رجل واحد، وليس فيها صراعات جانبية، ولا شقاقات داخلية، وأخيرًا فإنها مقاومة محترفة تنتهج أفضل الأساليب المتاحة لديها، وتأخذ بكل الأسباب الممكنة، وتتسم بعمق سياسي، وكفاءة عسكرية، وقدرات ممتازة، وليس بالضرورة أبدًا أن تكون هذه القدرات مكافئة لقدرات العدو، بل كل ما هو مطلوب أن تبذل المقاومة وسعها بحسب الإمكانيات المتاحة، فالله لا يكلِّف نفسًا إلا وسعها، ولكنه سبحانه - في ذات الوقت - لا يبارك في عمل لم تُبْذَل فيه كل الجهود الممكنة.
إذن المقاومة الصحيحة في المنظور الإسلامي هي مقاومة مخلصة لله تبحث عن رضاه، وهي مقاومة متحدة غير متفرقة، وهي - في ذات الوقت - تستنفد كل وسعها، وتأخذ بكل الأسباب المتاحة.
الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدِّد الإجابة على سؤال: متى تخرج أمريكا من العراق؟! ولكن هذا حديث آخر يحتاج إلى مقال آخر!
ويا ليتنا نتلقَّى آراءكم في هذا الموضوع، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
التعليقات
إرسال تعليقك