جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
إن المساعي الأمريكية والإسرائيلية لإجهاض أي محاولة للتقارب بين شمال وجنوب السودان لن تتوقف.. فهل ينجح البلدان في خيار التعايش أم تنجح المخططات
بينما كان المجتمع الدولي ودول الجوار ينتظران لقاء القمة بين الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس حكومة جنوب السودان سيلفاكير ميارديت -والذي كان مقررًا في الثالث من فبراير المقبل في العاصمة الجنوبية (جوبا)، حيث كان من المقرر التباحث حول الملفات العالقة بين البلدين- إذ بطبول الحرب تقرع من جديد لتعيد إلى الأذهان صراعًا استمر لعقود بين الشمال والجنوب قبل التوصل لاتفاق أسفر في النهاية عن انفصال الجنوب.
لقد توقع الكثيرون أن الأمور بدأت تتجه نحو الأفضل، خاصة بعد إعلان الرئيس البشير قبوله دعوة الزيارة التي قدمها له رئيس وفد حكومة جنوب السودان القيادي بالحركة الشعبية ووزير السلام باقان أموم، حيث كانت تجري الاستعدادات على قدم وساق، فإذا بالأمور تتجه نحو التصعيد، خاصة بعد الهجوم الذي شنته قوات الجبهة الثورية المتمردة في جنوب كردفان بدعم من جيش الجنوب على منطقة هجليج النفطية، وإعلان سلفاكير بأن هذه المنطقة أصبحت تحت سيطرة الجيش الجنوبي، وهو ما دفع الرئيس البشير إلى تعليق زيارته لجوبا، وإعلان حالة الاستنفار العام ووضع الترتيبات اللازمة لنفرة (الردع الكبرى)؛ مما يعود بالقضية إلى المربع الأول.
مشهد معقد
لم يكن مقبولاً لدى الشماليين أن يصمت السودان على الاعتداء الجنوبي على أراضيه، والذي جاء في ظل ما تتعرض له الحكومة السودانية من ضغوط شديدة؛ نتيجة اعتراض البعض على توقيع الوفد الشمالي المفاوض في الرابع عشر من مارس الجاري على اتفاقيتين تتعلقان بالحريات الأربع (حرية التنقل، وحرية الإقامة، وحرية التملك، وحرية العمل)، والمواطنة مع الوفد الجنوبي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ حيث تعرض فريق التفاوض لهجوم ضار، وسط مطالب بإنهاء مهمته، بل ذهبت الحملة التي تقودها قيادات سياسية بارزة وكُتّاب إسلاميون، إلى حد المطالبة بذهاب الحكومة إذا لم تتراجع عنها.
فضلاً عن ذلك، فقد جاء إعلان الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي أن قواتهم لن تخرج من "هجليج" ما لم يتم ترسيم الحدود المختلف عليها بين الطرفين، وذلك بالتزامن مع هجوم مماثل من متمردي حركة العدل والمساواة (بزعامة خليل إبراهيم) في منطقة الشهيد الفاضل، ليضيف مزيدًا من التعقيد على المشهد، وذلك بعد أن كان الرئيس البشير قد تحدى تحذيرات من قبول الذهاب إلى جوبا؛ خوفًا من أن تكون هذه الزيارة بمنزلة (مصيدة) يتم من خلالها تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت قرارًا سابقًا بتوقيف الرئيس السوداني.
إلا أن العدوان الجنوبي دفع السودان إلى اتخاذ مواقف مختلفة، وهو ما أكده نائب الرئيس السوداني الحاج آدم، حيث أكد أن الهجوم على منطقة هجليج يعدُّ "ابتدارًا للحرب وتعكيرًا لصفو أجواء التفاوض الأخيرة، ونسفًا لما تم الاتفاق عليه"، مضيفًا: "لن نتحدّث عن تفاوض أو مرحلة جديدة وقواتنا المسلحة في الميدان، وأي هجوم على الجيش ينسف أي حديث عن التفاوض".
أياد خفية
ويرى المراقبون أن التصعيد الجنوبي لم يكن (صدفة) في زمانه وتوقيته، مؤكدين أن هناك أيادي خفية تقف وراءه، حيث تعمل هذه القوى على استمرار الصراع بين الشمال والجنوب، مشيرين إلى أن أمريكا وإسرائيل اللتين سعتا لعقود طويلة من أجل انفصال جنوب السودان لن يقبلا بأن تبني الدولة الوليدة علاقات صداقة أو تعاون مع الشمال، الذي تضعه أمريكا على قوائم الدول المارقة أو الداعمة للإرهاب، واتهمته مرارًا وتكرارًا بارتكاب جرائم حرب..
كما أن واشنطن تريد أن تسيطر على النفط الجنوبي لتأمين احتياجاتها المتضاعفة من النفط، والتوافق بين الشمال والجنوب يعني التوافق حول تصدير النفط الذي تدخلت أمريكا وإسرائيل لوقف تصديره؛ حتى لا يحصل الشمال على حق نقل النفط عبر أراضيه.
كما أن إسرائيل تعتبر أن الجنوب هو بوابتها الجديدة للسيطرة على العالم العربي، ولذا فهي تحارب أي دعوة للتقارب أو التفاهم بين الشمال والجنوب؛ فإسرائيل وأمريكا يريدان أن تكون السيطرة لهما، وأن يبتعد الجنوب عن عمقه الإستراتيجي (الشمال)، بل استخدام الجنوب في تفتيت الشمال إلى دويلات صغيرة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، تسير في ركب أمريكا وإسرائيل.
خيار التعايش
إن المساعي الأمريكية والإسرائيلية لإجهاض أي محاولة للتقارب بين دولتي شمال وجنوب السودان لن تتوقف، فهما من سعيا جاهدَيْن لفصل شطري السودان، وبالتالي فإن جهود من أجل التوصل لاتفاق ستبوء بالفشل ولن يكتب لها النجاح حتى لو قدمت الحكومة السودانية في الشمال المزيد من التنازلات ما لم تتوفر نية حقيقية للحل بعيدًا عن أية ضغوط خارجية؛ فالمقصود هو السيطرة على النفط السوداني، سواء أكان في الشمال أو الجنوب، فضلاً عن إنهاك ومن ثَمَّ إسقاط الحكم القائم في الشمال والمعارض للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
وفي النهاية يبقى التأكيد على أن الحرب لن تكون يومًا طريقًا للحل، وأن استقواء الجنوب بالخارج يعني الدخول في حرب ستقضي على الأخضر واليابس في البلدين، وأن السبيل الوحيد هو الجلوس إلى مائدة الحوار من أجل إيجاد حل للقضايا العالقة وحقن دماء الشعبين الجنوبي والشمالي.
فهل ينجح البلدان في تغليب لغة الحوار وخيار التعايش ونبذ الحروب والصراعات من أجل مستقبل أفضل لدولتي الشمال والجنوب؟ أم تنجح المخططات الصهيوأمريكية في إشعال حرب تقضي على ما تبقى من مقدرات البلدين؟!!
المصدر: موقع الإسلام اليوم.
التعليقات
إرسال تعليقك