ملخص المقال
مئات الملايين يحدقون أبصارهم وينظرون إلى كرة تتقاذفها الأقدام هنا وهناك، مما يدفعنا للتساؤل هل كأس العالم رياضة أم سياسة ولهو منظم؟
مئات الملايين يحدقون أبصارهم وينظرون إلى كرة تتقاذفها الأقدام هنا وهناك، فيتبعها شباب في طول الملعب وعرضه.
لا أريد في هذا المقام بيان الحكم الفقهي في هذه الألعاب -وإن كان يلزم- بل أتساءل وإياكم: وماذا بعد؟ ماذا بعد انتهاء المباراة؟ ماذا بعد انتهاء الموسم وكأس العالم؟
هل هو نصر حقيقي مظفر أم هو تمتع آني لحظيّ يزول بزوال المباراة أو الموسم؟
إن القلب يذوبُ كَمدًا والعينُ تبكي حُزنًا وهي ترى الكثيرَ الكثير لاهين في مثل هذا اللهو المنظم، والمقصود من قِبل أعدائنا.
وهل يصح لأمة وهي تعاني من أعداء الله؛ ففلسطين, وكشمير, وقبرص, وتيمور الشرقية ما زالت محتلة، والعراق وأفغانستان مقطعة الأوصال، وجنوب السودان (دارفور), ينحدر وضعه من سيئ إلى أسوأ؟!!
وهل يصح من أمة أصيبت بالذل وحل بها الضعف والهوان؟!
هل يُقبل من أمة سقطت خلافتها وغاضت أحكام الإسلام من الأرض أن تهتم بالمباريات التي سبقها إرسال الواقيات الذكرية لمنع الحمل من الزنا، ويرافقها السب والشتم والاقتتال والتعصب الأعمى؟
أيصح لأمة انبعث الصراخ من جسدها في كل الآفاق؛ من الثكالى، من الأرامل، من الأوجاع، من الآلام، من المُغتصبات.. أيصح أن تهتف لتشجيع الفريق الفلاني أو العلاني بدل الاستجابة لصرخات الاستغاثة؟!
أيهما أغلى كرات تتناثر هنا وهناك أم أشلاء الشهداء التي تناثرت وتتناثر في فلسطين والعراق وباكستان؟!
هل يصح لأمة سالت دماء أبنائها الزكية من الشباب والشيوخ والرضع كالشلالات وذُبحت من الوريد إلى الوريد أن تلتفَّ حول كأس العالم؟
أيهما أصح أن تلتهي أمة الإسلام بكأس العالم أم تتجه لإخراج أسراها وأسيراتها من السجون والمعتقلات، وقد كثُرت رسائل ذويهم التي تقطع نياط القلب؟!
ثم نتساءل: ألا نرى أقدام الساسة الغربيين وممن أساءوا للعقيدة الإسلامية؛ يصولون ويجولون في بلاد المسلمين، ولا يغادر هذه البلاد زائر إلا ويأتي غيره بفكرة شيطانية خبيثة هي أسُّ الداء ومكمن البلاء!!
فهل يكون الاهتمام بأقدام اللاعبين أم بأقدام الساسة الغربيين الذين يعيثون في الأرض فسادًا، وينشرون الأفكار المناقضة للإسلام؛ فتعمل الأمة على إبعادهم عن عقول أبنائها ونفطها ومقدراتها؟!
لهوٌ بكأس العالم وكأن قضايا الأمة قد حُلت.
فهل تم حل قضية فلسطين وأفغانستان والعراق وباكستان والسودان؟!
كل ذلك يجري، والأمة ليس لها كيان سياسي ولا إرادة سياسية ولا قرار سياسي نابع من كتاب الله وسنة الرسول r.
كل ذلك يجري وبلاد المسلمين مستعمَرة ومجزأة إلى عدة دويلات حتى وصلت إلى نحو خمس وخمسين دويلةً.
بل إننا نرى التعصب بعينه من خلال إجراء المباريات وكأس العالم ،ونرى ما يُجسد مفهوم الانفصال ويبعد مفهوم الوحدة التي أمرنا الله بها؛ فهذا يشجع الفريق كذا التابع لدولة كذا من الدول العربية كذا، وذاك يشجع فريقًا آخر مع التعصب والاستعداد لسفك الدماء إن خسر هذا الفريق أو ذاك، حتى لو كان الفريق أجنبيًّا.
لقد عاث الكفر في أرض المسلمين الفساد، وسام المسلمين سوء العذاب، وبالغ في إظهار عداوته لله ولرسوله وللمؤمنين؛ لأن المسلمين قعدوا عن نصرة دينهم، والقضاء على أعدائهم، فأمعن الكفار فيهم، إذ لم يروا أن المؤمنين لبعضهم كالجسد الواحد، وليس لهم قائد له الإرادة السياسية يملك بها اتخاذ القرار المناسب؛ فأتبعوا فلسطين بالشيشان وبأفغانستان، وبالبوسنة وبكوسوفا وبالسودان وبالجزائر، ومن ثَم بالعراق ولبنان.
دنسوا كتاب الله -سبحانه- على مرأى ومسمع الأمة عيانًا، وأهانوا شخص رسول الله في أكثر من موضع، وهانت الأمة في عيون أعدائها من أراذل الخلق حتى أصبح حديث رسول الله منطبقًا بحرفيته "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت".
وفي الختام، الرياضة إما أن تكون ضمن أمر الله بالإعداد لإرهاب أعداء الله، وإما ضمن الإلهاءات الخبيثة المُنظمَة التي زُرعت وتُزرع في عقول بل أعماق أبناء الأمة المجاهدة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، والمسئولة عن إخراج البشرية من الظلمات إلى النور..
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 1-3].
التعليقات
إرسال تعليقك