جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
كان الالتفاف على تقرير جولدستون مذلا حين نكتشف أن فتحاويين يريدون أن يبرئوا ساحة الكيان الصهيوني من دماء الفلسطينيين
قبل أيام من التوقيع على "المصالحة" بين فتح وحماس ـ ورغم إيماننا بأنها لن تكون مصالحة سوية على غرار اتفاق مكة حيث في الحالين أعطت الاتفاقات تواجدا لمن لا شرعية له ولا وزن حقيقي لمطالب الشعب الفلسطيني ـ وخاصة بعد الالتفاف المذل على تقرير إدانة إسرائيل بسفك دماء أبناء قطاع غزة في محرقة شهد بها العالم، ونكتشف أن فتحاويين يريدون أن يبرئوا ساحة الكيان الصهيوني من دماء الفلسطينيين بعدما صدر قرار "ريتشارد جولدستون" الذي ترأس لجنة التحقيق الأممية في الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على قطاع غزة الصادر يوم 15 سبتمبر 2009 ، ذلك بذريعة أن إدانة إسرائيل ستؤدي إلى عرقلة المفاوضات الثنائية بين الكيان الإسرائيلي، والكيان الفتحاوي!، وكانت الوقفة الثائرة من قبل الفصائل الفلسطينية كافة أعادت الأمور إلى نصابها وصدق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الجمعة 16 أكتوبر2009 على تقرير يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، ولم يشر القرار إلى ارتكاب حماس تجاوزات في حرب غزة، حيث رفضت حماس أن يقترن الدفاع عن النفس بجرائم الحرب فالفلسطينيون دفعوا الثمن من الضحايا الأبرياء، من المدنيين .
وبعد جولات عديدة وأخذ ورد وعدم توازن في الطرح الفتحاوي، والكثير من حالات إلقاء القبض على قادتها في الضفة، وانعقاد المؤتمر الفتحاوي يوليو 2009 بغير كثير من منسوبي فتح في غزة نتيجة وجود رهائن حمساويين لدى فتح، وفي المقابل منعت حماس قادة فتح من السفر إلى الضفة ،
فحكومة فتح بصراحة مخالفة للدستور الفلسطيني بانتهاء ولاية عباس في 9 يناير 2009، وما يترتب على باطل فهو باطل، ورغم ذلك استمر عباس في معاملاته ومداولاته، ورحلاته واستقبالاته الدولية ـ بطريقة غير شرعية ـ ولا تمثل إلا الفئة الفتحاوية بقرار من رئيس غير شرعي حسب التوصيف القانوني, وحول آخر تطورات القضية الفلسطينية وحوار الفصائل الفلسطينية بالقاهرة كان لنا هذا الحوار مع عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).. فإلى الحوار:
*ما الأسباب من وجهة نظركم وراء محاولة السلطة الفلسطينية تأجيل عرض تقرير ريتشارد جولد ستون على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ؟
للأسف الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو المدان الأول في محاولة إنقاذ إسرائيل من مشاهدة قادتها يمثلون أمام المحاكم الدولية، وذلك حتى تستمر اللقاءات والمفاوضات المزعومة مع الكيان الإسرائيلي، بينما حماس تصر على وقوف "قادة الاحتلال" أمام المحاكم الدولية كمجرمي حرب وان أي شخص يحاول منع حدوث ذلك سيعتبر شريكا في الجريمة.
لقد اثار قرار تأجيل بحث تقرير جولدستون موجة من الانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان وممثلي عدد من الأحزاب الفلسطينية والكتاب الذين طالبوا القيادة الفلسطينية بإعلان موقف واضح لما جرى في جنيف يوم الجمعة خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان.
* وماذا بعد التصويت على إدانة الكيان الإسرائيلي بجرائم الحرب في محرقة قطاع غزة ؟
التصويت على القرار انتصار للحق الفلسطيني وموقف الدول التي صوتت إلى جانبه تعرية إسرائيل وفضح جرائمها ومجازرها التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، ولكن مساندة أمريكا لإسرائيل ربما تعرقل وصول التقرير لمجلس الأمن، ولكن سنسعى قانونيا، وبدعم الدول الإسلامية والعربية، إلى فضح جرائم إسرائيل حيال شعبنا، والكثير من دول العالم اطلعت على الجرائم الإسرائيلية ومدى الفظائع التي تعرض لها شعبنا، في الاعتداء على غزة ولن يظل العالم في تجاهل لهذه الجرائم ، لقد أصبحت الفضائيات تنقل ما يحدث مباشرة، وهذا ما أدى إلى توثيق الحدث بالتفضيل.
* هل انتهت الجولات السابقة من محادثات الحوار الفلسطيني إلى طريق مسدود وإلى عراقيل تقليدية ؟
لا نستطيع أن نسمي ما حدث في تلك الجولة بالفشل لأننا كان لدينا شعور أثناء حضورنا إلى القاهرة بأن الجولات لن تكون الأخيرة لأن الملفات العالقة لا تزال صعبة بالإضافة إلى أن الطرف الآخر لا يبدي مرونة جديدة عن الجولات السابقة، ونحن بحمد الله أبدينا المرونة لأنه ليس في صالح القضية أن يكون الشعب الفلسطيني منقسما على نفسه ، ولم نكن طرفا في الانقسام بل نسعى لرأب الصدع وفق الثوابت الفلسطينية،ولذلك تم تأجيل الحوار مرارا بسبب إعطاء الفرصة لمزيد من التشاور مع القيادات وفحص ودراسة بعض الأفكار التي طرحت في بعض التعقيدات التي اصطدم بها الحوار وهو أمر طبيعي بسبب صعوبة الملفات التي ندرسها. وان يأخذ الحوار أكثر من جولة هذا أمر طبيعي وليس مستغربا، وتحديد موعد آخر يدل على رغبة كافة الأطراف في استكمال الحوار.
*وماذا عن تأجيل توقيع حماس على المصالحة ؟
حقيقة التأخير في توقيع حماس توخيا لأيّ مشكلات قد تحدث، وقد وجدنا أن الورقة المصرية قد تم تعديلها دون إشعار لنا أو إطلاع على التعديلات مما جعل الورقة المصرية للمصالحة أقرب لرؤية حكومة عباس، ونحن لا نريد أن نقع فيما وقعنا فيه من خلافات على اتفاقات سابقة بسبب تجاهل التفاصيل، فما اتفقنا عليه كفصائل فلسطينية في القاهرة هو ما سنوقع عليه، مجرد فترة لما اتفقنا عليه وما سنوقع عليه، وسيتجه وفد من حماس إلى القاهرة من أجل ذلك، أما تقولات سلطة عباس فلن نقبلها فنحن أحرص على المصالحة لصالح شعبنا.
* ما هو المخرج من المعضلة التي تضعها أمامكم القوى الدولية بضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني ؟
نحن لسنا مسئولين عن تلك المعضلة لأننا لا يمكن أن نعترف بالكيان الصهيوني إرضاء للمجتمع الدولي، ولكن على المجتمع الدولي أن يخضع لـ "استحقاقات الديمقراطية" التي يتشدق بها ليل نهار. أما على مستوى ما يجري من حوار في القاهرة والقبول بحكومة مؤقتة دون الاعتراف بإسرائيل فإننا قدمنا طرحا للسيد عمر سليمان رئيس الاستخبارات المصرية بتشكيل حكومة من المستقلين دون برنامج سياسي، التس سعى لتسويقها. ونحن في حماس لا يمكن أن نصل إلى ابعد من ذلك في المرونة، لأن أكثر من ذلك يعد دخولا في المحظور وتجاوزا للخطوط الحمراء ومسا بالثوابت.
* ما هي الأسباب الحقيقية لإتمام صفقة تبادل الأسرى مع العدو الصهيوني بإطلاق عشرين أسيرة فلسطينية ؟
الإجابة ستكون على غير السؤال ثم نتطرق لإجابة السؤال .. السبب الحقيقي في تعطيل صفقة الأسرى طوال الفترة السابقة هو تهرب العدو الصهيوني ومراوغته في تقديم استحقاقات تلك الصفقة، وهو يتحمل وصول صفقة تبادل الأسرى إلى هذه النتيجة بعد التعنت المستمر وعدم الاستجابة بشكل كامل لشروط المقاومة الفلسطينية التي أعلنتها للجميع، والعدو الصهيوني قد ارتكب خطأً فادحا في هذه القضية وسيندم عليه، ولكن تمت الموافقة على بداية التحرك لأنه لا يريد أن يتحمل الضغط الداخلي وخاصة أنه خاض حربا حقيقية حين داهم غزة وأشعلها نارا، ثم لم يعد المهاجمون بجلعاد شاليط، ولم تتوقف صواريخ المقاومة، ولم تتحقق أهداف الصهاينة من هجوم غزة ـ ديسمبر ـ يناير الماضي ثم كانت الوساطة الألمانية المصرية لصفقة جزئية لإعادة شاليط حيا، وهم توقعوا أن يكون غير ذلك على غرار ما حدث مع أسراه مع حزب الله الذين قتلوا، أصبح الأسير ورقة ضغط وإن كانت ليست رئيسية، فلا يزال حيا وبصحة جيدة، فعادت 20 أسيرة فلسطينية من أخواتنا، والبقية تأتي .
* و ما مصير اتفاقيات التهدئة إذن؟
حتى الآن لم نحسم تلك القضية، ويصعب الحسم فيها خاصة في ظل تفلت الإدارة الصهيونية السابقة من محاولات الاتفاقات التي عرضها الوسيط المصري بالإضافة إلى إن حديث في هذا الملف لم يطرح خلال الفترة السابقة من خلال جولات الحوار التي جاءت حماس من اجلها.
* كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية فى ظل حكومة اليمين المتطرف؟
لا شك أن القضية الفلسطينية تمر اليوم بمنعطف خطير سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي خاصة في ظل الانقسام الداخلي ومحاولات إجراء المصالحة ومجيء حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو ومعه ليبرمان الذين ستشهد القضية الفلسطينية في عهدهما تصعيدا ملحوظا .. مجيء مثل تلك الحكومة اليمينية له مردود على مستوى الفلسطينيين والعرب أيضا، فلا ننسى التاريخ الدموي لنتنياهو وليبرمان بالإضافة إلى تصريحات ليبرمان المتطرفة والمزعجة سواء بالشأن الداخلي كتهجير الفلسطينيين ومحاولة القضاء على أهلنا في الداخل (فلسطينيي 48) بالإضافة إلى تصريحاته ضد اكبر الدول العربية (مصر) وتهديده بضرب السد العالي، لذا يجب على المسلمين والعرب أن يلتفتوا إلى الخطر المحدق الذي سيصيب المنطقة خلال المرحلة القادمة وعلى الفلسطينيين بكافة فصائلهم أن يتحدوا لمواجهة هذا العدو الصهيوني المتغطرس. أما نحن في حركة حماس فلا نفرق بين احد من الحكومات القادمة سواء معتدلة او يمينية لان العدو استرتيجيته ضد الفلسطينيين واحدة ونحن إستراتيجيتنا واحده أيضا، وهي مقاومة هذا العدو المتغطرس بكافة أشكال المقاومة، ونحن نرى ان العدو الواضح وان كان شرسا أفضل من العدو المراوغ.
* كيف تقيمون الدور المصري في الوساطة .. سواء بينكم وبين فتح أو بينكم وبين الكيان الصهيوني؟
لا شك أن الدور المصري هام للغاية سواء في الوساطة مع الكيان الصهيوني أو في تعاطيها للتعامل مع كافة الفصائل لإجراء مصالحة حقيقية، لكن للأسف رغم الجهد المصري المبذول في كافة الملفات الفلسطينية إلا أن العدو الصهيوني يسعى دائما إلى إفشال هذا الدور وإحراج مصر في أي وساطة، وكان ذلك واضحا من خلال جولات الوساطة السابقة سواء في ملف التهدئة أو ملف صفقة الأسرى، بالإضافة إلى محاولة التدخل غير المباشرة من قبل الاحتلال لإفشال الجهد المصري في حوار القاهرة، كما أن إسرائيل ارتكبت خطأ في حق مصر حين قامت بمحاولة خداعها قبيل الحرب على غزة وإيهامها بأنه لن يكون هناك عدوان على غزة مما أدى إلى إحراج مصر عند حدوث الحرب، لذلك فالوساطة المصرية تصطدم دائما بالمراوغة والتعنت الإسرائيلي، أما عن وساطة مصر في الحوار مع فتح فقد لمسنا منها حيدتها طوال فترة جولات الحوار الثلاثة وأنها تسعى دائما لتقريب وجهات النظر بيننا وبين فتح بالإضافة إلى المجهود الذي يقوم به الوزير عمر سليمان على المستوى الدولي لتسويق ملفات الحوار دوليا وكان ذلك بارزا من خلال جولته السابقة في واشنطن.
* هل تتوقعون تغيرا ما في الموقفين الأمريكي والأوروبي منكم بعد انتخاب أوباما؟
إن مجيء أوباما إلى سدة الحكم لقي ترحيبا وتفاؤلا من العديد من الأطراف العربية لكننا كنا ننظر إلى الإدارة الأمريكية الجديدة قياسا على ما ستقدمه للقضية الفلسطينية. والمؤشرات الأولية لتلك الإدارة ظهرت بأنها كسابقتها من الإدارات بالنسبة لتعاطيها مع القضية الفلسطينية واستمرار تحالفها مع العدو الصهيوني. أما بالنسبة للشأن الأوروبي فنحن نتلمس ان بعض الأنظمة والشعوب الأوروبية سئمت الارتهان والتبعية للغادرة الأمريكية و ظهر ذلك بشكل واضح من خلال الجولات التي قامت بها وفود من الدول والمؤسسات والبرلمانات الأوروبية خلال فترة ما بعد الحرب على غزة بالإضافة إلى حدوث اتصالات رسمية وشبه رسمية من قبل العديد من الأوروبيين
* من وجهة نظرك .. ما السبب في موقف فتح المتشدد في جلسات الحوار السابقة؟
أرى أن الإخوة في فتح لا يزالون يريدون التمسك والتشبث بكافة مفاتيح القضية الفلسطينية ووضعها في جيوبهم دون مشاركة من أي فصيل بالإضافة إلى الارتهان إلى ملف التسوية والتحالف مع الجانب الأمريكي والصهيوني رغم تخلي الإدارة الصهيونية الجديدة عن كافة الاتفاقات السابقة وعلى رأسها اتفاق انابوليس. وحماس أبدت استعدادها للتعاطي في كافة موضوعات الحوار رزمة واحدة، بحيث أننا على استعداد لقطع منتصف الطريق للتجاوب مع حركة فتح، لكن عليهم أيضا أن يقطعوا نصف الطريق لنلتقي في أرضية مشتركة دون المساس بالثوابت الوطنية.
* كيف تقيمون الوضع الإنساني في غزة في ظل استمرار الحصار؟
نحن نرى أن أهم أهداف الحوار ومن ثم المصالحة والذي يدور في القاهرة لأكثر من تسعة أشهر والسعي إلى انجازه هو إنقاذ الشعب الفلسطيني الذي يحتضر في غزة، ونشعر بمسؤولية كاملة عن الوضع الإنساني المتردي في غزة، لكن على كافة الإطراف التحلي بالمسؤولية في إنقاذ هذا الشعب وتقديم يد العون له. ونحن نرى إن شعبنا الصامد في غزة تعب من وضعه الحالي لكنه في الوقت ذاته يرفض العيش وهو خافض الرأس من خلال الضغوط التي تمارس عليه للاعتراف بالكيان الغاصب. نحن نسعى إلى إغاثة هذا الشعب المنكوب لكننا في الوقت ذاته نريد له أن يعيش بكرامة، ومن خلال حوارتنا في القاهرة تلقينا وعودا من الوزير عمر سليمان بدراسة إمكانية فتح المعابر لتقديم المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية لشعبنا في غزة بالإضافة إلى ادخلا بعض الحاويات لاستخدماها كمنازل مؤقتة لحين البدء في إعادة الإعمار،فإمكاناتنا في الإعمار مع إغلاق معبر رفح بالذات صعبة، نعم نسعى بالإمكانات المحلية، ولكن لدينا مشكلات تحتاج إلى دعم خارجي.
التعليقات
إرسال تعليقك