ملخص المقال
لا بد من إيجاد البديل لكل إعلام منحرف والتمسك بالدين الإسلامي لمواجهة هذا الانحراف الإعلامي
حين نتحدث عن الإعلام في رمضان، تتبادر إلى الذهن فورًا مفطرات صوم النفس، من تلك الأنماط الرخيصة من الترفيه في الشهر الكريم، بأنواعها المشاهد والمسموع والمقروء. والحقيقة أن للأمر جانبين: مضيء ومظلم، وعلينا أن ننسب لأهل الفضل فضلهم؛ إذ إن لدينا أنواعًا من الإعلام الراقي في رمضان، الذي يوجه الناس وينفعهم ويصلحهم ويرفه عنهم أيضًا؛ كالمجلات والإذاعات والقنوات النافعة، التي تحمل رسالة تفقيه الناس بأمور دينهم، والرقي بهم نحو الأفضل في عباداتهم وعلاقاتهم وثقافتهم وجميع شئون حياتهم.
منافع للناس
لا يخفى على المرء اليوم ما يملكه الإعلام من قوى تأثير هائلة، فقد أصبح يشكل للناس آراءهم وعقولهم وأنماط حياتهم، شئنا أم أبينا، وإذ كان البعض القليل قد اتخذ قوقعة حول نفسه وأسرته بدعوى حمايتهم؛ فإن ذمته لا تسلم بذلك فحسب، بل يبقى عليه واجب توجيه المجتمع وإرشاده. كما أن الإعلام المنحرف ليس قنوات فضائية فقط، بل هو أنماط متعددة كثيرة، يبقى على المسلم واجب في استغلال طاقاته الواسعة وانتشاره الرهيب في نشر الخير والفضيلة؛ فالعاقبة للمتقين، وهذا ما تتخذه رسالة قنوات الإعلام الصالحة المصلحة، بأنماطها المختلفة.
تدلي (أ.شريفة السنيدي) المحاضرة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برأيها في جانب نفع الإعلام للناس فتقول: مما لا شك فيه أنّ المجتمع انتفع من الإعلام الصالح في عدة مجالات؛ فالشريط الإسلامي له السبق في هذا المجال، حيث وصل إلى أكثر البيوت، وخاطب أكبر الشرائح، وكم سمعنا من قصص ووقائع لأناس تبدلت حياتهم من سماع شريط.. ثم إذاعة القرآن الكريم التي نفع الله بها نفعًا عظيمًا.. خاصة في نشر العلم ورفع الجهالة، وأكثر الفئات انتفاعًا من إذاعة القرآن الكريم -وإن انتفع غيرهم- هم كبار السن، وهم شريحة دعوية مهمة جدًّا، وفي الوقت نفسه يصعب التأثير عليهم لتشكل قناعاتهم ورسوخها عبر فترة طويلة من الزمن.
وتضيف: ثم يأتي دور الكتيبات والمجلات الإسلامية، أما الكتيبات الموجهة فلا شك في نفعها، وأما المجلات، فأرى أنها يغلب عليها جانب ملء الفراغ -بديل مباح- للغثّ الموجود على الساحة، باستثناء بعض المجلات كـ"الدعوة"، و"البيان"، و"الشقائق"، وأخرى.
وبالنسبة للتلفاز تقول: أرى مؤخرًا تأثر الناس تأثرًا عظيمًا بخروج بعض الدعاة في القنوات، حيث وصل صوت أولئك الدعاة لبيوت لم تكن تعلم عن الصحوة شيئًا، فوفق الله الجميع.
وترى الإعلامية (ناهد باشطح) الصحفية في جريدة الرياض أنّ على الإعلام الصالح أن يخوض كل مجالات الحياة دون استثناء؛ فهي لا تؤيد حصر مجالاته في زوايا محددة.
ولعل الأمر يتضح أكثر في حديث (الجوهرة السعد) محررة في مجلة أسرتنا، التي تشير بدءًا إلى دور الإعلام الكبير في توجيه ثقافة الناس -بشكل عام- وتشكيل رؤيتهم للأحداث والمستجدات، إذ يقال: إنّه إذا تمت السيطرة على مراكز الإعلام؛ فإنه يُسيطر على عقول الجماهير، وهذا واضح في سيطرة اليهود على مراكز الإعلام في أمريكا، حيث الرأي لهم والكلمة لهم.
وتضيف قائلة: ولعلّ الإعلام الصالح هو جزء لا يتجزأ من عجلة الإعلام بشكل عام، حيث إنّه قد يكون برنامجًا في قناة أو يكون بشكل مستقل وله تأثيره على المجتمع، ويبرز ذلك في زيادة الجرعات التثقيفية والتوعوية في المواسم، مثل رمضان والجُمَع وغيرهما، وهذه إسهام ولو بقدر قليل في توعية الناس بأمور دينهم، وكشف بعض الشُّبه، وتعرية أهل البدع نوعًا ما، كما أنّ له دورًا في زيادة إقبال الناس على الطاعات والتقرب إلى الله في المواسم الإيمانية.
وتنبّه الجوهرة السعد إلى نقطة مهمة، إذ ترى أنّ محاولة رصد بعض المظاهر السيئة في المجتمع ومعالجتها وطرح الحلول لها، مع ربط الناس بالعلماء من خلال الفتاوى المباشرة على الهواء أو المسجلة مثل "نور على الدرب"، فيه تسهيل لوصول العلم الشرعي إلى عامة الناس بأسلوب مبسَّط أو بكلفة قليلة أو معدومة، كما هو الحال في المطويات والكتيبات، ولوسائل الإعلام الأخرى من الخطبة والندوة والكتاب والرسالة والصحافة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة تأثير جيد.
(أ. هند القاضي) سكرتيرة النشاط في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، من خلال دورها في لجنة النشاط الجامعية ترى أنّ أبرز المجالات تتمثل في القراءة النافعة كالمجلات وبعض المقالات الجيدة في الصحف، وكذلك في المتابعة التلفزيونية بالقنوات الفضائية الهادفة والمتابعة الإذاعية مثل بعض الإذاعات، وعلى رأسها إذاعة القرن الكريم.
وترى (إيمان العقيل) مديرة تحرير مجلة "حياة للفتيات" أنّ التجربة الإعلامية سلاح ذو حدين، فإذا وجهت التوجيه الصحيح نفعت وأصلحت، وإن وجهت توجيهًا خاطئًا ضلّت وأفسدت.. وتضيف: لذا فإننا نجد العديد من وسائل الإعلام أخذت على عاتقها هدف الإصلاح والتوجيه والتثقيف في أمور الدين والدنيا. ولعل أفضل الأساليب الإعلامية التي تخدم المجتمع، هو الطرح الإعلامي الهادف القريب من هموم المجتمع، الذي يخاطب اهتماماته ويعالج مشكلاته.
وماذا ينقص المصلحين؟
هنا سؤال مهم: ما الذي ينقص الإعلام الصالح ليصل إلى أكبر عدد من قلوب الناس، ويوازي -ولعله يفوق- انتشار وتأثير الإعلام الآخر على الناس؟
أ.شريفة السنيدي لا ترى الحديث عن النواقص بل تفضل وضع ثوابت، فهي تقول: في رأيي أنّ الإعلام الصالح يجب أن يحافظ على ثباته وتميزه، وتذكر الهدف والغاية قي كل لحظة، ولا يذهلنا الرغبة في الوصول إلى القلوب عن الغاية السامية؛ فرضا الناس غاية لا تُدرك، خاصة في عصر أصبحت السمة الغالبة عليه: "التنازل تحت ضغوط الواقع"، ولنأخذ على ذلك نموذجًا "إذاعة القرن الكريم".
وتشير أ.ناهد باشطح إلى أنّ المصداقية هي التي تنقص بعض المواد الإعلامية، وكذلك السطحية والهشاشة في المواد المقدمة؛ مما يجعل الناس يلجئون إلى وسائل إعلامية أخرى.. فالبدائل متاحة!
بينما تفضل الجوهرة السعد تسمية الإعلام الصالح بـ"الإعلام الإسلامي" الذي هو (تزويد الجماهير بصفة عامة بحقائق الدين الإسلامي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله لصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال وسيلة إعلامية دينية متخصصة أو عامة، وذلك بغية تكوين رأي عام صائب يعي الحقائق الدينية ويدركها ويتأثر بها).. فمن خلال هذا التعريف نستطيع أن نعرف ماذا ينقص الإعلام الإسلامي، وهو:
- أن تقدم المادة الإعلامية وفق أُطر ملائمة لطبيعة الجماهير نفسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، فما يطرح في زمان سابق قد لا يناسب هذا الزمن في أسلوبه ومادته.
- أن يتناول الإعلام الصالح الشؤون العامة للأمة من خلال وجهة نظر إسلامية، ويحلل الأحداث وفق هذه النظرة، ويحكم عليها من خلالها (مجلة البيان نموذجًا).
- أن يتمتع الإعلامي في هذا الإعلام بثقافة واسعة ونظرة عميقة ومتفحصة في الموضوع الذي يتم مناقشته وطرحه؛ حتى يستطيع استيعاب كل الآراء وتحديد المنطلقات وبالتالي عرضها وتفنيدها، وهذا نستطيع إدراكه بمجرد المقارنة بين إعلاميٍّ في قناة غير إسلامية وآخر في قناة إسلامية، أو برنامج نافع؛ لنرى الفرق الشاسع بينهما في الإلمام بالموضوع والتمكن من المادة الإعلامية.
- تبسيط لغة الحوار، ومحاولة استيعاب الآخر، وعدم إثارة الخلافات المذهبية أو الفكرية بتوحيد الفتوى قدر الإمكان، والابتعاد عن الموضوعات الحساسة كالجن والشياطين والسحر وغيرها، وعدم نشرها للإثارة فقط أو استقطاب أكبر عدد من الجماهير (إذاعة القرآن نموذجًا).
- الدخول في حياة الناس العامة وفهم مشكلاتهم، واستيعاب نفسياتهم ومحاولة مساعدتهم بعرض معاناتهم وتوصيل صوتهم إلى المسئولين، والوقوف معهم في مشاكلهم كمشكلة البطالة والمخدرات، الفقر، التأخر الدراسي، الأمراض النفسية.. وغيرها.
- يتبع ذلك الدخول في عوالم جديدة والغوص في خصوصياتها لمحاولة علاجها وفك شفراتها والاستفادة منها، وإبراز الدور المطلوب تجاهها، مثل: حياة المساجين، الأيتام في دور الرعاية، الأحداث، المعوقين.. وغيرهم.
أما أ. هند القاضي؛ فتجد أنّ الإرسال الجيد والجاذب ينقص المحطات "إذاعة وتلفزيونًا"، وكذلك ترى أنّ هناك نقصًا شديدًا في عملية الترجمة حتى تستفيد الجاليات الإسلامية من الإعلام الصالح.. كما أنّ الدعاية ضعيفة في بعض المجالات.
وتقول إيمان العقيل ردًّا على هذا السؤال: على الرغم من حداثة التجربة الإعلامية المحافظة، إلا أنها خطت خطوات واضحة وقوية للوصول إلى شريحة كبيرة من المجتمع، ولعل التنافس ساهم في تعدد البدائل وتميزها، ولكن -بلا شك- هناك عقبات تعترض أي عمل، لعلّ أهمها نقص الكوادر المهنية والفنية المدربة والمؤهلة لخوض غمار وسائل الإعلام بكل جدارة.
وكيف نحمي أنفسنا؟!
لا يمكن للمرء أن يتجاهل جهود الإعلام المنحرف الهائلة في رمضان، وكما قلنا في البداية، لو حاول المرء أن يحمي أسرته لبقي عليه واجب كبير تجاه مجتمعه، خاصة مع التشويق الكبير والإخراج الجذاب لهذا الإعلام، وتنافس قنواته المتعددة بإثارة قوية لجذب المشاهد، بما لا ينفعه في دنيا وما يضره في دين!
إذن، كيف نواجه هذه الجهود الإعلامية المنحرفة في رمضان، بوسائل مجدية وبدائل كافية؟
أ.شريفة السنيدي تجد المواجهة في تذكير الناس ونصحهم، وتكثيف المواعظ عليهم بألاّ يشغلوا أوقاتهم في هذا الشهر المبارك أمام الإعلام الهابط؛ إذ لا يمكن مواجهة الجهود إلا بجهود قوية لنقض ما أبرموه وربط الناس بربهم.
وترى ناهد باشطح أنّ المسألة أكبر من أن نواجهها كمجتمع؛ فالغزو الفكري من كل صوب خاصة مع انتشار الفضائيات والإنترنت، لكنني أجد أنّ بناء حوار صادقٍ مع الأبناء كفيل بأن يوجد لديهم الرقابة الذاتية المبنية على أساس ديني سليم.
بينما ترى الجوهرة السعد أنّ المواجهة تكون بحسب المتلقي إذ تقول: أولاً.. من هو المتلقي؟! إن كان المتلقي من عامة الناس ومن لا يفقه من أمور دينه إلا القليل؛ فإنّ من الأجدر به، وحفظًا لدينه أن يهجرها ويقاطعها، وألاَّ يدخلها بيته أصلاً -إن كان ذلك ممكنًا-، كالمجلات الهابطة ذات الرسائل المنحرفة أو القنوات الفضائية الفاسدة.
أما إن كان المتلقي يستطيع عمل شيء أو لا يملك إخراجها أو عدم اقتنائها، فإنّه يتوجب عليه في هذه الحالة عمومًا، وفي رمضان خاصة أن يزيد من تثقيف بيئته ومن حوله بضررها، والإثم المترتب على سماعها أو مشاهدتها أو اقتنائها وغيره.
كما عليه أن يحاول شغل أوقات الفراغ بما هو مفيد ونافع كقراءة القرآن الكريم أو سماعه عبر الأشرطة والإذاعة أو ملاحقة البرامج الهادفة، أو غير الضارة والفاسدة في القنوات، إن كان لا يملك السيطرة على من في البيت، وأيضًا لو أمكن ولو لوقت قليل الجلوس مع الأسرة وتعرية بعض الأفكار وكشف المخفيّ تحتها والمراد منها، لكان أفضل لتبرأ الذمة ويتم العلم.
وأيضًا يجب على الجميع وعلى مستوى المجتمع مناصحة القائمين على هذه الوسائل وتذكيرهم بالله -إن كانوا مسلمين-، وتوفير البدائل للبرامج الترفيهية التي تكثر مع الأسف في رمضان، وهنا يبرز دور وسائل الإعلام الإسلامي من خطبة وندوة وكتاب وشريط وغيرها في توجيه الرأي العام، وتوفير البدائل المناسبة، وأخذ زمام المبادرة للتأثير في الجماهير، مع تنويع الأساليب والطرق في ذلك بما يتلاءم مع روح العصر.
وتقول أ.هند القاضي في هذه النقطة: إن النصيحة وإيجاد البديل لكل إعلام منحرف والتمسك بالدين الإسلامي هي أبرز الوسائل لمواجهة الانحراف الإعلامي.
في حين تؤكد أ. إيمان العقيل بأنّ الفكرة المتأصلة عن شهر رمضان أنّه شهر مسلسلات ومسابقات بسبب السهر، يزيد من العبء على الأسرة في السيطرة على أجواء البيت في إحياء السنن والمنافسة في عمل الطاعات وتواصل الأرحام، وغيرها من أمور نغفل عنها بانشغالنا بالأعمال والأعباء الحياتية.
آثار طيبة
طرحنا سؤالاً على ضيفاتنا يقول: هل أعانك الإعلام الصالح شخصيًّا على الطاعة في رمضان؟ وكيف؟
الأستاذة شريفة السنيدي تؤكد انتفاعها بسماعها بعض الأشرطة عن استقبال رمضان وقراءة بعض الكتب عن هدي السلف في رمضان، وتسأل الله النفع بالعلم وزيادته.
أما أ.ناهد باشطح فترى أنّ بعض القنوات بالتأكيد هي معِينة ومذكّرة ومحمّسة للمسلم بأن يلتزم بسلوكيات هادفة تفيده في دينه ودنياه.
الجوهرة السعد قالت بأنّ هذا السؤال صعب؛ إذ إننا جميعًا نسعى للرقي بأنفسنا في مدارج الإيمان، ولا نرضى عن أفعالنا بل نطمح إلى المزيد، لكني أقول: نعم.. ساهم الإعلام الإسلامي في تذكيري بأمور العبادة في رمضان، وحثي عليها وترغيبي فيها عبر وسائل عدّة؛ مثل ذكر حياة الرسول r في رمضان، وكيف كان شأنه معه، أيضًا نماذج سير الصحابة والسلف الصالح تشحذ النفس وتُعلِي الهمّة.. ولأنني ربة بيت، وجُلّ وقتي ربما أقضيه في المطبخ، فإنّ لإذاعة القرآن الكريم دورًا مهمًّا في تزويدي بالنافع من خلال متابعتها أثناء عملي.
وتؤيد أ. هند القاضي ما ذهبت إليه الجوهر السعد بأنّ هناك استفادة واضحة من الإعلام تمثلت في الفتاوى والبرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون، كإذاعة القرآن الكريم وقناة المجد الفضائية.
أما إيمان العقيل فتقول: كلنا مقصر في طاعة الله، لكن المرء يحتسب عمله صغر أم كبر في سبيل الله، ويسأله الأجر والمثوبة عليه والإخلاص في العمل.
التعليقات
إرسال تعليقك